تكوينهم العلمى والاجتماعى والثقافى والنفسى ما ساعدهم على ترك علامة بل علامات فيما تناولوه من علم أو فن، فأضافوا أفكارا، وغيروا مفاهيم، وكان لهم امتداد على يد تلاميذهم، وهنا يختلف الصولى.
كان الصولى على أهميته البالغة نتاجا لعصر هو نفسه نتيجة لأحداث وقعت فى عصر بل عصور سابقة عليه، أحداث كان لها أثرها الدامى فى جسد الأمة الإسلامية منذ أن قتل عثمان بن عفان إلى أن جاءت الدولة الأموية التى تعصبت للعرب، والدولة العباسية الأولى التى تعصبت للفرس، ثم الدولة العباسية الثانية التى قامت على أكتاف الأتراك، فأخذوا يجرون عربة الدولة العباسية فى المنحدر إلى أن وصلت بهم إلى القاع، ليجدوا رءوسهم تحت أقدام معز الدولة البويهى، وتفتّتت الإمبراطورية إلى دويلات وإمارات، ولا حول ولا قوة إلّا بالله.
الصولى غير المدائنى، غير الجاحظ وابن قتيبة، والعصر الذى ظهر فيه الصولى ما كان بحاجة إلى أعلام أفذاذ مثلهم يتجاوزون العصور، ويقفزون فوق أسوار الزمن، كان بحاجة إلى من يرصد أحداثه، ويصور فساده، ويحكى تناقضاته، وينظر بالبصر والبصيرة إلى أحوال العلم والعلماء، والدين والفقهاء، والأدب والأدباء والسياسة والساسة، والتقلبات المذهلة، والأوضاع الغريبة، ولم لا؟ والمجتمع- فى ظل هذه الفتن والاضطرابات والقلاقل- تحول إلى مجتمعات داخل مجتمع، الخليفة والقصر والأمراء والوزراء مجتمع، والقادة والجيش مجتمع، والعلماء والفقهاء والأدباء مجتمع، والتجار والصّناع مجتمع، وعامة الشعب مجتمع، والعبيد مجتمع وهكذا، دوائر تحكمها الطبقية