الغليظة، تتعامل مع بعضها حسب قوانين معلومة، وتتعامل مع غيرها وفق قوانين متفق عليها، وعادة ما تحدث الاضطرابات حين يختل النظام وتتداخل القوانين، وتنتهك الحدود، وهذا هو- فى رأيى- سر ظهور أسماء لامعة فى العصر العباسى الثانى فى كل فن وعلم بالرغم من الفوضى التى نراها بالعين المجردة من الخارج، ومن ثمّ لا تدهش لكثرة العلماء والفقهاء والفنانين بالرغم من الخلل الاجتماعى والاقتصادى والسياسى والأخلاقى الصارخ الذى كانوا يعيشون فيه.
إن اطلاعا سريعا على كتاب العصر العباسى الثانى لأستاذنا الدكتور شوقى ضيف يرينا كيف كانت الحركة العلمية تأليفا وترجمة فى كل العلوم العربية والدينية والفلسفية والطبيعية، وكيف كان زحام العلماء وطلاب العلم فى المساجد والمجالس الأدبية، وكيف كان تشجيع الخلفاء والوزراء والأسر الموسرة للعلم والعلماء، حتى ليخيل إلينا أننا فى أوج العصر العباسى الأول (13) والحقيقة أن العصر العباسى الثانى أضاف إضافاته، واجتهد اجتهاداته، وترك علاماته، إنها سر عظمة الحضارة الإسلامية، أن تستمر شعلتها مضيئة حتى فى الظلام الدامس.
بين أيدينا تحفة أدبية تاريخية نقدية لها أثرها البالغ، وقيمتها الفريدة، قطعة من تاريخنا وشخصيتنا وحضارتنا جديرة بالتوقير، والفخر، والتقدير، تلك هى كتاب (الأوراق) للصولى.
هذا نحن ... ، وهذا تراثنا ...