العصر هنا بمعنى الحقبة الزمنية ذات الأحداث المتشابهة، والتى وقعت فى مكان محدد، لأسباب محددة، نتائجها متوقعة، وهى أحداث ولد الصولى بعد ثمانى سنوات من بدايتها، وعاش سنة أو سنتين قبل نهايتها.
كان من الممكن أن يكون أبو بكر الصولى شاعرا أو كاتبا (4) أو نحويا (5) أو فقيها (6) أو إخباريا (7) أو موسيقيا (8) أو منجّما (9) أو مهندسا (10) أو نديما (11) ولكنه آثر أن يكون كلّ هؤلاء، أن يكون عدّة رجال فى رجل، محيطا بكل شيء، وليس متخصصا فى شيء، فالمتخصص فى علم ما، أو فن ما هو: الذى يضيف إضافة لتخصصه، وتكون له فيه علامة، ولا يمكن للدارسين أن يتجاوزوه إذا تذاكروا الفائقين فى علم ما، أو فن ما، أما الموسوعى فهو:
الذى يسبح فى فضاء المعارف ولا يغوص، يتعمق ولا يبعد، وإن ابتعد لا يغيب، ويجسب له أنه جمع فأوعى، وسمع وروى وحفظ ودرى، فتحول إلى وعاء امتلأ علما يشفى غلة الصادى، ويروى ظمأ الملهوف، لكن ليس له مجال تخصص يقف فيه، وهكذا كان الصولى، هو نتاج طبيعى للعصر العباسى الثانى فى بغداد.
وأعلم أنه سيتبادر إلى الذهن فورا أعلام كبار فى حضارتنا الإسلامية، فالمدائنى (215 هـ) ترك حوالى سبعة وثلاثين ومئتى كتاب (12) ، والجاحظ (255 هـ) ترك مكتبة معروفة، وكذا ابن قتيبة (276 هـ) ، والطبرى (310 هـ) ، وأبو حيان التوحيدى (400 هـ) وغيرهم كانوا موسوعيين وكانوا صورة منتزعة من عصورهم، مثل الصولى، ولكنهم تميزوا عنه بأنهم تجاوزوا عصورهم بتراثهم، فصاروا صالحين لكل العصور، وكان لهم من