د. منير سلطان
يقدّر للرجل أن تكون حياته صورة منتزعة من أحداث عصره، هو نتاج ونتيجة، وهى منبع ومصبّ، وإذا استعرضنا حياة الصولى أيقنّا أنه من العسير على مثله أن ينسب إلى عصر غير عصره، ومن الطبيعى لمثل عصره أن يفرز رجلا كمثله، وإن لم يكن، تكون نواميس الطبيعة قد خرقت، وطبائع الأشياء قد انحرفت.
والصولى هو رجلنا الذى سنجلس إليه (1) والعصر العباسى الثانى فى بغداد هو عصرنا الذى سيكون مرآة نرى فيه الصولى ونراه فى الصولى، مع احتفاظ كل منهما بخصائصه. ذلك العصر (247- 334 هـ) (2) الذى بدأ بمقتل خليفة، وانتهى بسمل خليفة، المتوكل قتل بيد ابنه وولى عهده، والمستكفى سمل بيد معزّ الدولة البويهى.
وبدخول البويهيّين بغداد انتهى عصر سيطرة الأتراك على بغداد، وبدأ عصر سيطرة الفرس، وقد كانوا مسيطرين فى العصر العباسى الأول، واضطرّ المعتصم أن يكثر من الأتراك ليخفف من ضغط الفرس حتى تحول العنصر التركى إلى كابوس، فجاء معز الدولة البويهى ليعيد النفوذ للفرس، أما عن العرب فكانوا يجلسون فى صالة المسرح يتفرجون، ويدفعون الثمن من قوتهم ودمائهم، وقد كانوا فى الدولة الأموية هم أبطال الملحمة، وكانت هذه العناصر مصنفة تحت قائمة العبيد والموالى ثم تغيرت الأدوار (3) .