يَتَّفِقَا عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ أَلْفٌ، وَيَعْقِدَاهُ عَلَى أَلْفَيْنِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْأَلْفَيْنِ هِيَ الْمَهْرُ. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: الْمَهْرُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ أَوَّلًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَفِي بِمَا وَعَدَتْ بِهِ وَشَرَطَتْهُ، مِنْ أَنَّهَا لَا تَأْخُذُ إلَّا مَهْرَ السِّرِّ. قَالَ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ: هَذَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ: يَجِبُ عَلَيْهَا الْوَفَاءُ بِذَلِكَ. قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ وَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ، فَهَلْ يُؤْخَذُ بِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، أَوْ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ.
أَحَدُهُمَا: يُؤْخَذُ بِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ. قَطَعَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَحَكَاهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ عَنْ الْقَاضِي. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ.
وَالثَّانِي: يُؤْخَذُ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ. قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ بَعْدَ قَوْلِهِ " فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُكْرَهًا "
الثَّالِثَةُ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ " وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى صَدَاقَيْنِ: سِرٍّ وَعَلَانِيَةٍ، أَخَذَ بِالْعَلَانِيَةِ " أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الصَّدَاقِ بَعْدَ الْعَقْدِ: تَلْحَقُ بِهِ. وَيَبْقَى حُكْمُهَا حُكْمَ الْأَصْلِ فِيمَا يُقَرِّرُهُ وَيُنْصِفُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: لَا تَلْحَقُ بِهِ. وَإِنَّمَا هِيَ هِبَةٌ تَفْتَقِرُ إلَى شُرُوطِ الْهِبَةِ. فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ هِبَتِهَا: لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ مِنْ الزِّيَادَةِ. وَخَرَّجَ عَلَى الْمَذْهَبِ: سُقُوطَهُ بِمَا يُنَصِّفُهُ، مِنْ وُجُوبِ الْمُتْعَةِ لِمُفَوَّضَةٍ مُطَلَّقَةٍ قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَ فَرْضِهِ.