الرَّابِعَةُ: لَيْسَ لِوَلِيِّ السَّفِيهِ الْمُبَذِّرِ مَنْعُهُ مِنْ حَجِّ الْفَرْضِ، وَلَكِنْ يَدْفَعُ نَفَقَتَهُ إلَى ثِقَةٍ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِنَفْلٍ وَزَادَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى نَفَقَةِ الْحَجِّ: وَلَمْ يَكْتَسِبْ الزَّائِدَ، فَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْعَبْدِ إذَا أَحْرَمَ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ، وَصَحَّحَ فِي النَّظْمِ أَنَّهُ يَمْنَعُهُ. ذَكَرَهُ فِي أَوَاخِرِ الْحَجْرِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَلَهُ فِي الْأَصَحِّ مَنْعُهُ مِنْهُ، وَتَحْلِيلُهُ بِصَوْمٍ، وَإِلَّا فَلَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، فَإِنْ مَنَعَهُ فَأَحْرَمَ: فَهُوَ كَمَنْ ضَاعَتْ نَفَقَتُهُ.
قَوْلُهُ (الْخَامِسُ: الِاسْتِطَاعَةُ، وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ زَادًا وَرَاحِلَةً) . هَذَا الْمَذْهَبُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَاعْتَبَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كَشْفِ الْمُشْكِلِ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ فِي حَقِّ مَنْ يَحْتَاجُهُمَا، فَأَمَّا مَنْ أَمْكَنَهُ الْمَشْيُ وَالتَّكَسُّبُ بِالصَّنْعَةِ: فَعَلَيْهِ الْحَجُّ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَلِيمِ وَلَدُ الْمَجْدِ وَوَالِدُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِي الْقُدْرَةِ بِالتَّكَسُّبِ. وَقَالَ: هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى أَصْلِنَا، فَإِنَّ عِنْدَنَا يُجْبَرُ الْمُفْلِسُ عَلَى الْكَسْبِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ قَالَ: وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهِ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ، وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ: كَانَ مُتَوَجِّهًا عَلَى أَصْلِنَا، وَقَالَ الْقَاضِي: مَا قَالَهُ فِي كَشْفِ الْمُشْكِلِ، وَزَادَ فَقَالَ: تُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِصَنْعَةٍ أَوْ مَسْأَلَةٍ إذَا كَانَتْ عَادَتَهُ. انْتَهَى. وَقِيلَ: مَنْ قَدَرَ أَنْ يَمْشِيَ مِنْ مَكَّةَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ: لَزِمَهُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ، فَيَدْخُلُ فِي الْآيَةِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُسْتَحَبُّ الْحَجُّ لِمَنْ أَمْكَنَهُ الْمَشْيُ وَالتَّكَسُّبُ بِالصَّنْعَةِ، وَيُكْرَهُ لِمَنْ لَهُ حِرْفَةٌ الْمَسْأَلَةُ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا أُحِبُّ لَهُ ذَلِكَ، وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي قَوْلِ أَحْمَدَ " لَا أُحِبُّ كَذَا " هَلْ هُوَ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ الْكَرَاهَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي آخِرِ الْكِتَابِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: يُشْتَرَطُ الزَّادُ، سَوَاءٌ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ أَوْ بَعُدَتْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ. وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: الْحَجُّ