الله -عز وجل-: {وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَّغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النور: 22] قال أبو بكر: والله إني أحب أن يغفر الله لي. فرجع إلى النفقة التي كان ينفق عليه وقال: والله لا أنزعها
منه أبدًا. (?)
ولقد فهم الصديق من الآية بأن على المؤمن التخلق بأخلاق الله، فيعفو عن الهفوات والزلات والمزالق، فإن فعل فالله يعفو عنه ويستر ذنوبه، وكما تدين تدان، والله سبحانه قال: {أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَّغْفِرَ اللهُ لَكُمْ"أي: كما تحبون عفو الله عن ذنوبكم فكذلك اغفروا لمن دونكم. (?) وكما أن في الآية من حلف على شيء ألا يفعله، فرأى أن فعله أولى من تركه، أتاه وكفر عن يمينه. وقال بعض العلماء: هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى؛ من حيث لطف الله بالقذفة العصاة بهذا اللفظ (?).
لقد دلت هذه الآية على أن أبا بكر أفضل الناس عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأن الله وصفه بصفات عجيبة في هذه الآية، دلت على علو شأنه في الدين. أورد الرازي في تفسيره أربع عشرة صفة مستنبطة من هذه الآية: {وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ"منها: أنه وصفه بأنه صاحب الفضل على الإطلاق من غير تقييد لذلك بشخص دون شخص، والفضل يدخل فيه الإفضال، وذلك يدخل على أنه - رضي الله عنه - كان فاضلاً على الإطلاق، وكان مفضلا على الإطلاق، ومنها أنه لما وصفه تعالى بأنه (أولو الفضل والسعة) بالجمع لا بالواحد وبالعموم لا بالخصوص على سبيل المدح، وجب أن يقال: إنه كان خاليًا عن المعصية؛ لأن الممدوح إلى هذا الحد لا يكون من أهل النار (?).
خرج أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - للتجارة إلى بصرى ببلاد الشام في عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ما منعه حبه لملازمة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الذهاب للتجارة، ولا منع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصديق من ذلك مع شدة حبه له. (?) وفي هذا أهمية أن يكون للمسلم مصدر رزق يستغني به عن