أيدي اليهود والنصارى والمجوس والرافضة الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، إذ رأوا أن كيد الإسلام على الحيلة أشد نكاية فيه وفي أهله، فأخذوا يدبرون المؤامرات في الخفاء لهدم الإسلام وتفتيت دولته وتفريق أتباعه، وذلك عن طريق تزييف الأخبار وترويج الشائعات الكاذبة وتدبير الفتن ضد الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، فقام عبد الله بن سبأ اليهودي وأتباعه بالدور الكبير في إشعال نار الفتنة التي أودت بحياة الخليفة الراشد الثالث، وكذلك إشعال المعركة بين المسلمين في موقعة الجمل بعد أن كاد يتم الصلح بين الطرفين، إلى غير ذلك من التحركات والمؤامرات التي قصد بها النيل من الإسلام وأتباعه، هذا بالإضافة إلى الروايات الضعيفة والموضوعة الواردة في مصادر التاريخ الإسلامي -وهي تشوه سيرة الصحابة- كرواية التحكيم التي تتهم بعضهم بالخداع أو الغباء أو التعلق بالجاه والسلطة، والهدف من وضع هذه الروايات الطعن في الإسلام بطريقة غير مباشرة؛ لأن الإسلام لم يؤده لنا إلا الصحابة، والتشكيك في ثقتهم وعدالتهم هو تشكيك بالتالي في صحة الإسلام.
هذا وقد استغل المستشرقون هذه الروايات الموضوعة ومن سار على نهجهم من أذنابهم ممن يتكلمون بلغتنا، فركزوا على التوسع في البحث فيها؛ بل كانت مغنمًا تسابقوا إلى اقتسامه ما دامت تخدم أغراضهم للطعن في الإسلام والنيل من أعراض الصحابة الكرام. (?) لقد قام الأعداء بصياغة تاريخنا وفق مناهجهم المنحرفة، وتأثر بعض المؤرخين المسلمين بتلك المناهج المستوردة، فأصبحت كتابتهم في العقود الماضية ترجمة حرفية لما كتبه المستشرقون والماركسيون والروافض واليهود وغيرهم من أعداء الأمة؛ وذلك لأنهم لا يملكون تصورًا حقيقيًا لروح الإسلام وطبيعته؛ حيث إن كتابة التاريخ الإسلامي تحتاج حتما إلى إدراك طبيعة الفكرة الإسلامية ونظرتها إلى الحياة والأحداث والأشياء، ووزنها للقيم التي عليها الناس، وتأثيرها في الأرواح والأفكار وصياغتها للنفوس والشخصيات .. ودراسة الشخصيات الإسلامية -على وجه خاص- تقتضي إدراكًا كاملاً لطبيعة استجابة تلك الشخصيات الإسلامية لإيحاءات الفكرة الإسلامية، فإن طريقة استجابة تلك الشخصيات لهذه الإيحاءات مسألة هامة في صياغة شعورها بالقيم وسلوكها في الحياة، وتفاعلها مع الأحداث، ولن يدرك طبيعة الفكرة الإسلامية ولا طريقة استجابة الشخصيات الإسلامية لها إلا كاتب مؤمن بهذه الفكرة مستجيب لها من أعماقه، لكي