مسارعته في شيء من قسمة الغنائم، وغير ذلك من الحقوق. وفصَّل الصديق - رضي الله عنه - من خلال وصاياه ورسائله في حقوق الجند؛ كاستعراضهم، وتفقد أحوالهم، والرفق بهم في السير، وأن يقيم عليهم العرفاء والنقباء، واختيار مواضع نزولهم لمحاربة العدو، وإعداد ما يحتاج إليه الجند من زاد وعلوفة، والتعرف على أخبار العدو بالجواسيس الثقاة لسلامة الجند، وتحريضهم على الجهاد، وتذكيرهم بثواب الله وفضل الشهادة، ومشاورة ذوي الرأي منهم، وأن يلزمهم بما أوجبه الله من حقوق، وأن ينهاهم عن الاشتغال عن الجهاد بزراعة أو تجارة، وكل هذه الحقوق قد استخرجت من رسائله ووصاياه للقادة.

59 - إن المتأمل في حركة الفتح الإسلامي يرى توفيق الله تعالى لجيوش الخليفة أبي بكر - رضي الله عنه -؛ فقد استطاعت تلك الجيوش المظفرة أن تكسر شوكة الرومان والفرس وفتح تلك الديار في وقت قياسي في تاريخ الحروب، ومن أهم أسباب تلك الفتوح: إيمان المسلمين بالحق الذي يقاتلون من أجله، تأصل الصفات الحربية في المسلمين، سماحة المسلمين وعدالتهم مع تلك الشعوب، رحمة المسلمين في تقدير الجزية والخراج ووفاؤهم بعهودهم، ثروة المسلمين الواسعة من الرجال والقادة العظام، إحكام الخطة الإسلامية الحربية، وغير ذلك من الأسباب.

60 - عندما نزل المرض بالصديق وأشرف على الموت قام بعدة إجراءات عملية لتتم عملية اختيار الخليفة القادم، وهي: استشار كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار، وبعد أن تم ترشيح الصديق لعمر ووافق معظم الصحابة على ذلك، كتب عهدًا مكتوبًا يقرأ على الناس في المدينة وفي الأمصار، وأخبر عمر بن الخطاب بخطواته القادمة وعرفه ما عزم عليه وألزمه بذلك، وأبلغ الناس بلسانه واعيًا مدركًا حتى لا يحصل أي لبس، وتوجه بالدعاء إلى الله يناجيه ويبثه كوامن نفسه، وكلف عثمان بن عفان أن يتولى قراءة العهد على الناس وأخذ البيعة لعمر قبل موته، وقام بتوجيه الفاروق عندما اختلى به.

61 - إن الخطوات التي سار عليها أبو بكر الصديق في اختيار خليفته من بعده لا تتجاوز الشورى بأي حال من الأحوال، وإن كانت الإجراءات المتبعة فيها غير الإجراءات المتبعة في تولية أبي بكر نفسه، وهكذا تم عقد الخلافة لعمر بالشورى والاتفاق، ولم يرد في التاريخ أي خلاف وقع حول خلافته بعد ذلك، ولا أن أحدًا نهض طوال عهده

طور بواسطة نورين ميديا © 2015