31 - إن الردة التي قامت بها القبائل العربية بعد وفاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لها أسباب، منها: هول الصدمة بموت رسول الله، ورقة الدين والسقم في فهم نصوصه، والحنين إلى الجاهلية ومقارفة موبقاتها، والتفلت من النظام والخروج على السلطة الشرعية، والعصبية القبلية، والطمع في الملك، والتكسب بالدين، والشح بالمال، والتحاسد، والمؤثرات الأجنبية؛ كدور اليهود والنصارى والمجوس.
32 - وأما أصناف الردة: فمنهم من ترك الإسلام جملة وتفصيلاً وعاد إلى الوثنية وعبادة الأصنام، ومنهم من ادعى النبوة، ومنهم من عاد إلى ترك الصلاة، ومنهم من بقي يعترف بالإسلام ويقيم الصلاة ولكنه امتنع عن أداء الزكاة، ومنهم من شمت بموت الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعاد أدراجه يمارس عادات الجاهلية، ومنهم من تحير وتردد وانتظر على من تكون الدبرة، وكل ذلك وضحه علماء الفقه والسير.
33 - كان موقف الصديق - رضي الله عنه - من المرتدين لا هوادة فيه ولا مساومة فيه ولا تنازل، يرجع إليه الفضل الأكبر -بعد الله تعالى- في سلامة هذا الدين وبقائه على نقائه وصفائه وأصالته، وقد أقر الجميع وشهد التاريخ بأن أبا بكر قد وقف في مواجهة الردة الطاغية ومحاولة نقض عرى الإسلام عروة عروة موقف الأنبياء والرسل في عصورهم، وهذه خلافة النبوة التي أدى أبو بكر حقها، واستحق بها ثناء المسلمين ودعاءهم إلى أن
يرث الله الأرض وأهلها.
34 - إن من الحقائق الأساسية حول هذه الفتنة، أنها لم تكن شاملة لكل الناس كشمولها الجغرافي، بل إن هناك قادة وقبائل وجماعات وأفرادًا تمسكوا بدينهم في كل منطقة.
35 - في حروب الردة باليمن ظهرت صورتان مختلفتان للنساء؛ صورة المرأة الطاهرة العفيفة التي تقف مع الإسلام وتحارب الرذيلة، وتقف مع المسلمين لكبح جماح شياطين الإنس والجن مثل «آزاد» الفارسية زوج شهر بن باذان وابنة عم فيروز الفارسي. وصورة أخرى كالحة مظلمة، وهي ما قامت به بعض بنات اليمن من يهود ومن لف لفهن في حضرموت، فقد طرن فرحًا بموت رسول الله فأقمن الليالي الحمراء مع المجان والفساق يشجعن على الرذيلة ويزرين بالفضيلة، فقد رقص الشيطان فيها معهن وأتباعه طربًا لنكوص الناس عن الإسلام، والدعوة إلى التمرد عليه وحرب أهله.