الناس، كبيرًا في أنفسهم، لم يكن لأحدهم فيك مغمز ولا لقائل فيك مهمز، ولا لمخلوق عندك هوادة. الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ بحقه، القريب والبعيد عنك في ذاك سواء، وأقرب الناس عندك أطوعهم لله -عز وجل- وأتقاهم، ... شأنك الحق والصدق والرفق، قولك حكم وحتم، وأمرك حلم وحزم، ورأيك علم وعزم. اعتدل بك الدين، وقوي بك الإيمان، وظهر أمر الله، فسبقت -والله- سبقًا بعيدًا وأتعبت من بعدك إتعابًا شديدًا، وفزت بالخير فوزًا مبينًا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، رضينا عن الله -عز وجل- قضاءه، وسلمنا له أمره. والله لن يصاب المسلمين بعد رسول الله بمثلك أبدًا، كنت للدين عزًا وحرزًا وكهفًا، فألحقك الله -عز وجل- بنبيك محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا حرمنا أجرك ولا أضلنا بعدك.

فسكت الناس حتى قضى كلامه، ثم بكوا حتى علت أصواتهم، وقالوا: صدقت. (?) وجاء في رواية: إن عليًّا قال عندما دخل على أبي بكر بعدما سجي أنه قال: ما أحد ألقى الله بصحيفته أحب إليَّ من هذا المسَجَّى. (?)

هذا وقد توفي الصديق -رحمه الله- وهو ابن ثلاث وستين سنة، مجمع على ذلك في الروايات كلها، استوفى سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وغسلته زوجه أسماء بنت عميس، وكان قد أوصى بذلك (?)، ودفن جانب رسول الله، وقد جعل رأسه عند كتفي رسول الله (?)، وصلى عليه خليفته عمر بن الخطاب، ونزل قبره عمر وعثمان وطلحة وابنه عبد الرحمن، وألصق اللحد بقبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (?).

وهكذا خرج أبو بكر الصديق من الدنيا بعد جهاد عظيم، في سبيل نشر دين الله في الآفاق، وستظل الحضارة الإنسانية مدينة لهذا الشيخ الجليل الذي حمل لواء دعوة الرسول بعد وفاته، وحمى غرسه عليه الصلاة والسلام، وقام برعاية بذور العدل والحرية، وسقاها أزكى دماء الشهداء، فأتت من كل الثمرات عطاء جزيلاً. حقق عبر التاريخ تقدما عظيمًا في العلوم والثقافة والفكر، وستظل الحضارة مدينة للصديق؛ لأنه بجهاده

طور بواسطة نورين ميديا © 2015