وعاش حمدًا لأمر الله متبعًا ... بهدى صاحبه الماضي وما انتقلا

وكان حب رسول الله قد علموا ... من البرية لم يعدل به رجلا (?)

هذا وقد ناقش العلماء قضية إسلام الصديق، وهل كان - رضي الله عنه - أول من أسلم؛ فمنهم من جزم بذلك، ومنهم من جزم بأن عليًا أول من أسلم، ومنهم من جعل زيد بن حارثة أول من أسلم. وقد جمع الإمام ابن كثير -رحمه الله- بين الأقوال جمعًا طيبًا فقال: «والجمع بين الأقوال كلها: أن خديجة أول من أسلم من النساء -وقيل الرجال أيضا- وأول من أسلم من الموالي زيد بن حارثة، وأول من أسلم من الغلمان علي بن أبي طالب، فإنه كان صغيرًا دون البلوغ على المشهور وهؤلاء كانوا آنذاك أهل بيته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر الصديق، وإسلامه كان أنفع من إسلام من تقدم ذكرهم؛ إذ كان صدرًا معظمًا، رئيسًا في قريش مكرمًا، وصاحب مال وداعية إلى الإسلام، وكان محببا متآلفا يبذل المال في طاعة الله ورسوله» ثم قال: وقد أجاب أبو حنيفة - رضي الله عنه - بالجمع بين هذه الأقوال، فإن أول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر، ومن النساء خديجة، ومن الموالي زيد بن حارثة، ومن الغلمان علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم أجمعين (?).

وبإسلام أبي بكر عمَّ السرور قلب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ حيث تقول أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: فلما فرغ من كلامه (أي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أسلم أبو بكر، فانطلق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من عنده، وما بين الأخشبين أحد أكثر سرورا منه بإسلام أبي بكر (?). لقد كان أبو بكر كنزًا من الكنوز ادخره الله تعالى لنبيه، وكان من أحب قريش لقريش، فذلك الخلق السمح الذي وهبه الله تعالى إياه جعله من الموطئين أكنافا، من الذين يألفون ويؤلفون، والخلق السمح وحده عنصر كاف لألفة القوم، وهو الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام: «أرحم أمتي بأمتي أبو بكر» (?).

وعلم الأنساب عند العرب، وعلم التاريخ هما أهم العلوم عندهم، ولدى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - النصيب الأوفر منهما، وقريش تعترف للصديق بأنه أعلمها بأنسابها وأعلمها بتاريخها، وما فيه من خير وشر، فالطبقة المثقفة ترتاد مجلس أبي بكر لتنهل منه علمًا لا تجده عند غيره غزارة ووفرة وسعة، ومن أجل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015