لقد كان إسلام الصديق بعد بحث وتنقيب وانتظار، وقد ساعده على تلبية دعوة الإسلام معرفته العميقة وصلته القوية بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الجاهلية، فعندما نزل الوحي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأخذ يدعو الأفراد إلى الله، وقع أول اختياره على الصديق - رضي الله عنه -؛ فهو صاحبه الذي يعرفه قبل البعثة بدماثة خلقه، وكريم سجاياه، كما يعرف أبو بكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بصدقه، وأمانته وأخلاقه التي تمنعه من الكذب على الناس، فكيف يكذب على الله؟. (?)

فعندما فاتحه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدعوة الله وقال له: « ... إني رسول الله ونبيه، بعثني لأبلغ رسالته، وأدعوك إلى الله بالحق، فوالله إنه للحق، أدعوك يا أبا بكر إلى الله وحده لا شريك له، ولا تعبد غيره، والموالاة على طاعته» (?).

فأسلم الصديق ولم يتلعثم وتقدم ولم يتأخر، وعاهد رسول الله على نصرته، فقام بما تعهد، ولهذا قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حقه: «إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركون لي صاحبي؟» مرتين (?).

وبذلك كان الصديق - رضي الله عنه - أول من أسلم من الرجال الأحرار، قال إبراهيم النخعي، وحسان بن ثابت وابن عباس وأسماء بنت أبي بكر: أول من أسلم أبو بكر، وقال يوسف ابن يعقوب الماجشون: أدركت أبي ومشيختنا: محمد بن المنكدر، وربيعة بن عبد الرحمن، وصالح بن كيسان، وسعد بن إبراهيم، وعثمان بن محمد الأخنس، وهم لا يشكون أن أول القوم إسلاما أبو بكر. (?) وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: أول من صلى أبو بكر، ثم تمثل بأبيات حسان:

إذا تذكرت شجوًا من أخي ثقة ... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا

خير البرية أتقاها وأعدلها ... إلا النبي وأوفاها بما حملا

الثاني التالي المحمود مشهده ... وأول الناس طرًّا صدق الرسلا (?)

وثاني اثنين في الغار المنيف وقد ... طاف العدو به إذ صعد الجبلا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015