إليه بين الحين والحين، إنما هو حياة الناس وروحهم ليس فقط فيما يؤدونه من شعائر تعبدية يحرصون على أدائها على وجهها الصحيح، وإنما من أخلاقياتهم وتصوراتهم واهتماماتهم وقيمهم وروابطهم الاجتماعية، وعلاقات الأسرة وعلاقات الجوار والبيع والشراء والضرب في مناكب الأرض والسعي وراء الأرزاق، وأمانة التعامل وكفالة القادرين لغير القادرين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والرقابة على أعمال الحكام والولاة، ولا يعني هذا بطبيعة الحال أن كل أفراد المجتمع هم على هذا الوصف، فهذا لا يتحقق في الحياة الدنيا ولا في أي مجتمع من البشر. وقد كان في مجتمع الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -كما ورد في كتاب الله- منافقون يتظاهرون بالإسلام، وهم في دخيلة أنفسهم من الأعداء، وكان فيه ضعاف الإيمان والمعوقون والمتثاقلون والمبطئون والخائنون، ولكن هؤلاء جميعًا لم يكن لهم وزن في ذلك المجتمع ولا قدرة على تحويل مجراه؛ لأن التيار الدافق هو تيار أولئك المؤمنين الصادقي الإيمان، المجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، الملتزمين بتعالم هذا الدين (?).

2 - أنه المجتمع الذي تحقق فيه أعلى مستويات المعنى الحقيقي (للأمة)، فليست الأمة مجرد مجموعة من البشر جمعتهم وحدة اللغة ووحدة الأرض ووحدة المصالح، فتلك هي الروابط التي تربط البشر في الجاهلية، فإن تكونت منهم أمة فهي أمة جاهلية، أما الأمة بمعناها الرباني، فهي الأمة التي تربط بينها رابطة العقيدة بصرف النظر عن اللغة والجنس واللون ومصالح الأرض القريبة، وهذه لم تتحقق في التاريخ وحده كما تحققت في الأمة الإسلامية، فالأمة الإسلامية هي التي حققت معنى الأمة أطول فترة من الزمن عرفتها الأرض، أمة لا تقوم على عصبية الأرض ولا الجنس ولا اللون ولا المصالح الأرضية، إنما هو رباط العقيدة يربط بين العربي والحبشي والرومي والفارسي، يربط بين البلاد المفتوحة والأمة الفاتحة على أساس الأخوة الكاملة في الدين، ولئن كان معنى الأمة قد حققته هذه الأمة أطول فترة عرفتها الأرض فقد كانت فترة صدر الإسلام أزهى فترة تحققت فيها معاني الإسلام كلها بما فيها معنى الأمة على نحو غير مسبوق. (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015