وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54]، هذه الصفات المذكورة في هذه الآية الكريمة أول من تنطبق عليه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - وجيوشه من الصحابة الذين قاتلوا المرتدين، فقد مدحهم الله بأكمل الصفات وأعلى الميزات (?)، فهذه الصفات:

أ- {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ":

مذهب السلف في المحبة المسندة له سبحانه وتعالى أنها ثابتة له تعالى بلا كيف ولا تأويل، ولا مشاركة للمخلوق في شيء من خصائصها. (?) لقد أحب المولى -عز وجل- ذلك الجيل لما بذلوه من أجل دينهم، وبما تطوعوا به بما لم يفرض عليهم فرضًا تقربًا إلى الله وحبًا لرسوله واتخاذهم المندوبات والمستحبات كأنها فروض واجبة التنفيذ (?)، ولقد اتصف هذا الجيل بصفات الإحسان والتقوى والصبر التي ذكر المولى -عز وجل- بأنه يحبها، قال تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 76]، وقال تعالى: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 76]، ولقد أحب الصحابة المولى -عز وجل- حبًّا عظيمًا فقدموا محابه على كل شيء، وبغضوا ما أبغضه، ووالوا ما والاه وعادوا من عاداه، واتبعوا رسوله واقتفوا أثره. لقد أحب الصحابة ربهم وخالقهم ورازقهم؛ لأن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، وأي إحسان كإحسان من خلق فقدر، وشرع فيسر، وجعل الإنسان في أحسن تقويم، ووعد من أطاعه بجنة الخلد التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، لهذا كله ولأكثر منه أحب ذلك الجيل ربهم حبًّا لا مثيل له، فقدموا أنفسهم وأهليهم وأموالهم في سبيل الله بلا تردد أو منَّة، بل اعتبروا ذلك تفضلاً من الله عليهم، أن فتح لهم باب الجهاد والاستشهاد في سبيله ويسر لهم أسبابه، فقاموا بذلك الواجب خير قيام (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015