وعلق البغوي على هذا الحديث فقال: فيه البيان الواضح؛ فالصحابة -رضي الله عنهم- جمعوا بين الدفتين القرآن الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غير أن يزيدوا فيه أو ينقصوا منه شيئًا، والذي حملهم على جمعه ما جاء في الحديث، وهو أنه كان مفرقًا في العسب واللخاف وصدور الرجال، فخافوا ذهاب بعضه بذهاب حفظته، ففزعوا فيه إلى خليفة رسول الله ودعوه إلى جمعه، فرأى في ذلك رأيهم فأمر بجمعه في موضع واحد باتفاق من جميعهم، فكتبوه كما سمعوه من رسول الله من غير أن قدموا شيئًا أو أخروا، أو وضعوا له ترتيبًا لم يأخذوه من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يلقي أصحابه ويعلمهم ما ينزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف جبريل صلوات الله عليه إياه على ذلك، وإعلامه عند نزول كل آية أن هذه الآية تكتب عقيب آية كذا في السور التي يذكر فيها كذا. (?)
وهكذا يتضح للقارئ الكريم أن من أوليات أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -: أنه أول من جمع القرآن الكريم. يقول صعصعة بن صوحان -رحمه الله-: أول من جمع بين اللوحين وورث الكلالة (?) أبو بكر (?).
وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: يرحم الله أبا بكر، هو أول من جمع بين اللوحين (?).
وقد اختار أبو بكر - رضي الله عنه - زيد بن ثابت لهذه المهمة العظيمة، وذلك لأنه رأى فيه المقومات الأساسية للقيام بها، وهي:
1 - كونه شابًا؛ حيث كان عمره 21 سنة فيكون أنشط لما يطلب منه.
2 - كونه أكثر تأهيلاً، فيكون أوعى له؛ إذ من وهبه الله عقلاً راجحًا فقد يسر له سبيل الخير.
3 - كونه ثقة فليس هو موضعًا للتهمة، فيكون عمله مقبولاً وتركن إليه النفس ويطمئن إليه القلب.