الفصل الثاني
وفاة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وسقيفة بني ساعدة، وجيش أسامة
المبحث الأول
وفاة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسقيفة بني ساعدة
إن الأرواح الشفافة الصافية لتدرك بعض ما يكون مخبوءًا وراء حجب الغيب بقدرة الله تعالى، والقلوب الطاهرة المطمئنة لتحدث صاحبها بما عسى أن يحدث له فيما يستقبل من الزمان، والعقول الذكية المستنيرة بنور الإيمان لتدرك ما وراء الألفاظ والأحداث من إشارات وتلميحات، ولنبينا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من هذه الصفات الحظ الأوفر، وهو منها بالمحل الأرفع الذي لا يسامى ولا يطاول. (?)
ولقد جاءت بعض الآيات القرآنية مؤكدة على حقيقة بشرية النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأنه كغيره من البشر، وسوف يذوق الموت ويعاني سكراته كما ذاقه من قبل إخوانه من الأنبياء، ولقد فهم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من بعض الآيات اقتراب أجله، وقد أشار - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في طائفة من الأحاديث الصحيحة إلى اقتراب وفاته، منها ما هو صريح الدلالة على الوفاة ومنها ما ليس كذلك؛ حيث لم
يشعر ذلك منها إلا الآحاد من كبار الصحابة الأجلاء كأبي بكر والعباس ومعاذ
رضي الله عنهم (?).
رجع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حجة الوداع في ذي الحجة، فأقام بالمدينة بقيته والمحرم وصفرًا من العام العاشر، فبدأ بتجهيز جيش أسامة وأمَّر عليهم أسامة بن زيد بن حارثة، وأمره أن يتوجه نحو البلقاء وفلسطين، فتجهز الناس وفيهم المهاجرون والأنصار، وكان أسامة بن زيد ابن ثماني عشرة سنة، وتكلم البعض في تأميره وهو مولى وصغير السن على كبار المهاجرين والأنصار، فلم يقبل الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طعنهم في إمارة أسامة (?)، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: