وكذلك الصلاة استخلفه عليها ولولا علمه لم يستخلفه، ولم يستخلف غيره لا في حج ولا في صلاة.
وكتاب الصدقة التي فرضها رسول الله أخذه أنس من أبي بكر وهو أصح ما روي فيها (?)، وعليه اعتمد الفقهاء وغيرهم في كتابه ما هو متقدم منسوخ، فدل على أنه أعلم بالسنة الناسخة، ولم يحفظ له قول يخالف فيه نصًا، وهذا يدل على غاية البراعة والعلم. وفي الجملة: لا يعرف لأبي بكر مسألة في الشريعة غلط فيها، وقد عرف لغيره مسائل كثيرة. (?) وكان - رضي الله عنه - يقضي ويفتي بحضرة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويقره، ولم تكن هذه المرتبة لغيره، وقد بينت ذلك في سلب أبي قتادة بحنين. (?) وقد ظهر فضل علمه وتقدمه على غيره بعد وفاة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإن الأمة لم تختلف في ولايته في مسألة إلا فصلها هو بعلم يبينه لهم وحجة يذكرها لهم من الكتاب والسنة، وذلك لكمال علم الصديق وعدله، ومعرفته بالأدلة التي تزيل النزاع، وكان إذا أمرهم أطاعوه، كما بين لهم موت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتثبيتهم على الإيمان، ثم بين لهم موضع دفنه، وبين لهم ميراثه، وبين لهم قتال مانعي الزكاة لما استراب فيه عمر، وبين لهم أن الخلافة في قريش، وتجهيز جيش أسامة، وبين لهم أن عبدًا خيره الله بين الدنيا والآخرة هو رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (?)، وسيأتي تفصيل ذلك في موضعه بإذن الله تعالى.
ولقد رأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - له رؤيا تدل على علمه؛ فعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رأيت كأني أعطيت عُسًّا مملوءًا لبنًا، فشربت منه حتى تملأت، فرأيتها تجري في عروقي بين الجلد واللحم، ففضلت منها فضلة، فأعطيتها أبا بكر». قالوا: يا رسول الله، هذا علم أعطاكه الله حتى إذا تملأت منه، فضلت فضلة فأعطيتها أبا بكر، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قد أصبتم». (?)
وكان الصديق - رضي الله عنه - يرى أن الرؤيا حق، وكان يجيد تأويلها، وكان يقول إذا أصبح: من رأى رؤيا صالحة فليحدثنا بها. وكان يقول: لأن يرى رجل مسلم مسبغ