وفي ظل هذا الدعاء تبدو المفارقة واضحة في موقف قريش جيرة البيت المحرم .. فلا صلاة قائمة للّه، ولا شكر بعد استجابة الدعاء، وهويّ القلوب والثمرات! ويعقب إبراهيم على دعاء اللّه لذريته الساكنة بجوار بيته المحرم لتقيم الصلاة وتشكر اللّه .. يعقب على الدعاء بتسجيله لعلم اللّه الذي يطلع على ما في قلوبهم من توجه وشكر ودعاء. فليس القصد هو المظاهرات والأدعية والتصدية والمكاء. إنما هو توجه القلب إلى اللّه الذي يعلم السر والجهر ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء: «رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ: وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ» ..

ويذكر إبراهيم نعمة اللّه عليه من قبل فيلهج لسانه بالحمد والشكر شأن العبد الصالح يذكر فيشكر: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ، إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ» ..

وهبة الذرية على الكبر أوقع في النفس. فالذرية امتداد. وما أجل الإنعام به عند شعور الفرد بقرب النهاية، وحاجته النفسية الفطرية إلى الامتداد. وإن إبراهيم ليحمد اللّه، ويطمع في رحمته: «إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ».ويعقب على الشكر بدعاء اللّه أن يجعله مديما للشكر. الشكر بالعبادة والطاعة فيعلن بهذا تصميمه على العبادة وخوفه أن يعوقه عنها عائق، أو يصرفه عنها صارف، ويستعين اللّه على إنفاذ عزيمته وقبول دعائه: «رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ. وَمِنْ ذُرِّيَّتِي. رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ» ..

وفي ظل هذا الدعاء تبدو المفارقة مرة أخرى في موقف جيرة البيت من قريش. وهذا إبراهيم يجعل عون اللّه له على إقامة الصلاة رجاء يرجوه، ويدعو اللّه ليوفقه إليه. وهم ينأون عنها ويعرضون، ويكذبون الرسول الذي يذكرهم بما كان إبراهيم يدعو اللّه أن يعينه عليه هو وبنيه من بعده! ويختم إبراهيم دعاءه الضارع الخاشع بطلب المغفرة له ولوالديه وللمؤمنين جميعا، يوم يقوم الحساب، فلا ينفع إنسانا إلا عمله ثم مغفرة اللّه في تقصيره: «رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ» .. وينتهي المشهد الطويل: مشهد الدعاء الخاشع الضارع. ومشهد تعداد النعم والشكر عليها .. في إيقاع موسيقي متموج رخي .. ينتهي بعد أن يخلع على الموقف كله ظلا وديعا لطيفا، تهفو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015