جماعة من أتباع المسيح يأبون له ما يرضاه لنفسه ويعرفه حق المعرفة؟! َ مَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً» ..
فاستنكافهم واستكبارهم لا يمنعهم من حشر اللّه لهم بسلطانه .. سلطان الألوهية على العباد .. شأنهم في هذا شأن المقرين بالعبودية المستسلمين للّه ..
فأما الذين عرفوا الحق، فأقروا بعبوديتهم للّه وعملوا الصالحات لأن عمل الصالحات هو الثمرة الطبيعية لهذه المعرفة وهذا الإقرار فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله.
«وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً» ..
وما يريد اللّه - سبحانه - من عباده أن يقروا له بالعبودية، وأن يعبدوه وحده، لأنه بحاجة إلى عبوديتهم وعبادتهم، ولا لأنها تزيد في ملكه تعالى أو تنقص من شيء. ولكنه يريد لهم أن يعرفوا حقيقة الألوهية وحقيقة العبودية، لتصح تصوراتهم ومشاعرهم، كما تصح حياتهم وأوضاعهم. فما يمكن أن تستقر التصورات والمشاعر، ولا أن تستقر الحياة والأوضاع، على أساس سليم قويم، إلا بهذه المعرفة وما يتبعها من إقرار، وما يتبع الإقرار من آثار ..
يريد اللّه - سبحانه - أن تستقر هذه الحقيقة بجوانبها التي بيناها في نفوس الناس وفي حياتهم. ليخرجوا من عبادة العباد إلى عبادة اللّه وحده. ليعرفوا من صاحب السلطان في هذا الكون وفي هذه الأرض فلا يخضعوا إلا له، وإلا لمنهجه وشريعته للحياة، وإلا لمن يحكم حياتهم بمنهجه وشرعه دون سواه. يريد أن يعرفوا أن العبيد كلهم عبيد ليرفعوا جباههم أمام كل من عداه حين تعنو له وحده الوجوه والجباه. يريد أن يستشعروا العزة أمام المتجبرين والطغاة، حين يخرون له راكعين ساجدين يذكرون اللّه ولا يذكرون أحدا إلا اللّه. يريد أن يعرفوا أن القربى إليه لا تجيء عن صهر ولا نسب. ولكن تجيء عن تقوى وعمل صالح فيعمرون الأرض ويعملون الصالحات قربى إلى اللّه. يريد أن تكون لهم معرفة بحقيقة الألوهية وحقيقة العبودية، فتكون لهم غيرة على سلطان اللّه في الأرض أن يدعيه المدعون باسم اللّه أو باسم غير اللّه فيردون الأمر كله للّه .. ومن ثم تصلح حياتهم وترقى وتكرم على هذا الأساس ...