أو مركب الأقانيم. حتى جاء «الصليبيون» إلى أرض الإسلام مغيرين. فلما ارتدوا أخذوا معهم من أرض الإسلام بذرة الثورة على «الحق المقدس» وكانت فيما بعد ثورات «مارتن لوثر» و «كالفن» و «زنجلي» المسماة بحركة الإصلاح .. على أساس من تأثير الإسلام، ووضوح التصور الإسلامي، ونفي القداسة عن بني الإنسان ونفي التفويض في السلطان .. لأنه ليست هنالك إلا ألوهية وعبودية في عقيدة الإسلام .. (?)
وهنا يقول القرآن كلمة الفصل في ألوهية المسيح وبنوته وألوهية روح القدس (أحد الأقانيم) وفي كل أسطورة عن بنوة أحد للّه، أو ألوهية أحد مع اللّه، في أي شكل من الأشكال .. يقول القرآن كلمة الفصل بتقريره أن عيسى بن مريم عبد للّه وأنه لن يستنكف أن يكون عبدا للّه. وأن الملائكة المقربين عبيد للّه وأنهم لن يستنكفوا أن يكونوا عبيدا للّه. وأن جميع خلائقه ستحشر إليه. وأن الذين يستنكفون عن صفة العبودية ينتظرهم العذاب الأليم. وأن الذين يقرون بهذه العبودية لهم الثواب العظيم: «لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ - وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ - وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ. وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً، وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً».
إن المسيح عيسى بن مريم لن يتعالى عن أن يكون عبدا للّه. لأنه - عليه السلام - وهو نبي اللّه ورسوله - خير من يعرف حقيقة الألوهية وحقيقة العبودية وأنهما ماهيتان مختلفتان لا تمتزجان. وهو خير من يعرف أنه من خلق اللّه فلا يكون خلق اللّه كاللّه أو بعضا من اللّه! وهو خير من يعرف أن العبودية للّه - فضلا على أنها الحقيقة المؤكدة الوحيدة - لا تنقص من قدره. فالعبودية للّه مرتبة لا يأباها إلا كافر بنعمة الخلق والإنشاء. وهي المرتبة التي يصف اللّه بها رسله، وهم في أرقى حالاتهم وأكرمها عنده .. وكذلك الملائكة المقربون - وفيهم روح القدس جبريل - شأنهم شأن عيسى عليه السلام وسائر الأنبياء - فما بال