ولكن هذه ليست نهاية المطاف .. إن وعد اللّه قائم، ينتظر العصبة المسلمة، التي تحمل الراية وتمضي، مبتدئة من نقطة البدء، التي بدأت منها خطوات رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وهو يحمل دين الحق ويتحرك بنور اللّه ..
ثم يخطو السياق الخطوة الأخيرة في هذا المقطع من السورة، مصورا كيف أن أهل الكتاب لا يحرمون ما حرم اللّه ورسوله، بعد ما أشار إلى هذه الحقيقة في قوله: «اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ» التي فسرها رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - بأنهم «أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال، فاتبعوهم» ..
فبين أنهم إذن لا يحرمون ما حرم اللّه ورسوله، إنما يحرمون ما حرمه عليهم الأحبار والرهبان! يخطو السياق الخطوة الأخيرة في بيان هذه الحقيقة مخاطبا بها الذين آمنوا كاشفا لهم في هذا الخطاب عن حقيقة أهل الكتاب: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ. وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ. يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ، فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ. هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ، فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ» ..
وفي الآية الأولى استطراد في بيان دور الأحبار والرهبان الذين اتخذهم أهل الكتاب أربابا من دون اللّه، فاتبعوهم فيما يشرعون لهم من المعاملات ومن العبادات سواء. فهؤلاء الأحبار والرهبان يجعلون من أنفسهم ويجعلهم قومهم أربابا تتبع وتطاع وهم فيما يشرعون يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل اللّه.
وأكل أموال الناس كان يتمثل في صور شتى وما يزال:
منها ما يأخذونه على فتاوى تحليل الحرام وتحريم الحلال لصالح من يملكون المال أو السلطان. ومنها ما يأخذه القسيس أو الكاهن مقابل الاعتراف له بالخطايا وغفرانه - بالسلطان المخول للكنيسة في زعمهم - لتلك الخطايا! ومنها الربا - وهو أوسع أبوابها وأبشعها - وغيرها كثير.