والشرائع مجتمعة انطبق عليهم أنهم لا يدينون دين الحق، ودخلوا في مدلول آية القتال .. مع مراعاة طبيعة المنهج الحركي للإسلام، ومراحله المتعددة، ووسائله المتجددة كما قلنا مرارا.
«هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» ..
وهذا توكيد لوعد اللّه الأول: «وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ» .. ولكن في صورة أكثر تحديدا. فنور اللّه الذي قرر سبحانه أن يتمه، هو دين الحق الذي أرسل به رسوله ليظهره على الدين كله.
ودين الحق - كما أسلفنا - هو الدينونة للّه وحده في الاعتقاد والعبادة والتشريع مجتمعة. وهو متمثل في كل دين سماوي جاء به رسول من قبل .. ولا يدخل فيه طبعا تلك الديانات المحرفة المشوهة المشوبة بالوثنيات في الاعتقاد التي عليها اليهود والنصارى اليوم. كما لا تدخل فيه الأنظمة والأوضاع التي ترفع لافتة الدين، وهي تقيم في الأرض أربابا يعبدها الناس من دون اللّه، في صورة الاتباع للشرائع التي لم ينزلها اللّه.
واللّه سبحانه يقول: إنه أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله .. ويجب أن نفهم «الدين» بمدلوله الواسع الذي بيناه، لندرك أبعاد هذا الوعد الإلهي ومداه ..
إن «الدين» هو «الدينونة» .. فيدخل فيه كل منهج وكل مذهب وكل نظام يدين الناس له بالطاعة والاتباع والولاء ..
واللّه سبحانه يعلن قضاءه بظهور دين الحق الذي أرسل به رسوله على «الدين» كله بهذا المدلول الشامل العام! إن الدينونة ستكون للّه وحده. والظهور سيكون للمنهج الذي تتمثل فيه الدينونة للّه وحده.
ولقد تحقق هذا مرة على يد رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه ومن جاء بعدهم فترة طويلة من الزمان. وكان دين الحق أظهر وأغلب وكانت الأديان التي لا تخلص فيها الدينونة للّه تخاف وترجف! ثم تخلى أصحاب دين الحق عنه خطوة فخطوة بفعل عوامل داخلة في تركيب المجتمعات الإسلامية من ناحية وبفعل الحرب الطويلة المدى، المنوعة الأساليب، التي أعلنها عليه أعداؤه من الوثنيين وأهل الكتاب سواء ..