ومن ثم كان أول ما يستشعره القلب والعقل أمام العقيدة الإسلامية، هو الاستقامة والبساطة والوضوح .. وهذه هي السمة التي تجتذب الأفراد الذين يدخلون في هذا الدين من الأوروبيين والأمريكيين المعاصرين، فيتحدثون عنها، بوصفها أول ما طرق حسهم من هذا الدين. وهي ذاتها السمة التي تجتذب البدائيين في أفريقيا وآسيا في القديم والحديث .. لأنها سمة الفطرة التي يشترك فيها الناس أجمعين متحضرين وبدائيين.

وإن هذا التصور ليكفل تجمع الشخصية والطاقة في كيان المسلم الفرد والجماعة، وينفي التمزق والانفصام والتبدد، التي تسببها العقائد والتصورات الأخرى ..

فالكينونة الإنسانية - التي هي وحدة أصل خلقتها- تواجه ألوهية واحدة تتعامل معها في كل نشاط لها. تتعامل مع هذه الألوهية اعتقاداً وشعوراً. وتتعامل معها عبادة واتجاهاً. وتتعامل معها تشريعاً ونظاماً .. وتتعامل معها في الدنيا والآخرة أيضاً ..

إنها لا تتوزع في الاعتقاد بآلهة مختلفة. أو بعناصر مختلفة في الألوهية الواحدة! أو بقوى مختلفة بعضها داخل في حوزة الإله وبعضها خارج عليه مضاد له! أو بعوامل مختلفة فيها ما يقهر الإله ذاته، وليس لها هي قانون يعرف فيتفاهم معه! أو بقوى "الطبيعة" التي ليس لها كيان محدد ولا ناموس مفهوم!

وهي لا تتوزع في التوجه بالاعتقاد والشعور والعبادة إلى جهة. والتلقي في نظام الحياة الواقعية من جهة أخرى. إنما هي تتلقى من مصدر واحد في هذا وذلك، وتتبع ناموساً واحداً يحكم الضمير والشعور، كما يحكم الحركة والعمل .. وهو ناموس لا يحكم الكينونة الإنسانية وحدها، إنما يحكم الكون كله كذلك .. فالكينونة الإنسانية حينما تعامل مع هذا الكون تتعامل معه في ظل هذا الناموس الواحد، بلا توزع ولا تمزق كذلك في هذا المجال.

وهذا التجمع ينشئ طاقة هائلة، لا يقف في وجهها شيء. وهذا بعض أسرار الخوارق التي أنشأتها العقيدة الإسلامية في الحياة والتاريخ البشري. فمن هذا التصور انبثقت تلك الطاقة الموحدة. التي صنعت هذه الخوارق .. الطاقة المتجمعة في ذاتها، المتجمعة كذلك مع الطاقات الكونية المتصالحة معها، لأنها تتجمع وإياها في الناموس الواحد، المتجه إلى الألوهية الواحدة. كما بينا قبل في الحديث عن خاصية الشمول.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015