ثم نجئ إلى الأثر المتفرد الذي ينشئه التصور الإسلامي في ضمير المسلم وفي حياته، وفي كيانه المجتمع المسلم وفي نشاطه بخاصية التوحيد التي يتضمنها ويقوم عليها ..

إنه .. تحرير الإنسان .. أو هو بتعبير آخر .. ميلاد الإنسان ..

إنه توحد الألوهية وتفردها بخصائص الألوهية، واشتراك ما عدا الله ومن عداه في العبودية وتجردهم من خصائص الألوهية .. إن هذا معناه ومقتضاه: ألا يتلقى الناس الشرائع في أمور حياتهم إلا من الله. كما أنهم لا يتوجهون بالشعائر إلا لله. توحيداً للسلطان الذي هو أخص خصائص الألوهية. والذي لا ينازع الله فيه مؤمن، ولا يجترئ عليه إلا كافر ..

والنصوص القرآنية تؤكد هذا المعنى وتحدده وتجرده. بما لا يدع مجالاً لشك فيه أو جدال:

{إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} (40) سورة يوسف والإسلام -وحده- يرد أمر التشريع والحاكمية لله وحده- هو الذي يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده.

إن الناس في جميع الأنظمة التي يتولى التشريع والحاكمية فيها البشر-في صورة من الصور- يقعون في عبودية العباد .. وفي الإسلام -وحده- يتحررون من هذه العبودية للعباد بعبوديتهم لله وحده.

وهذا هو "تحرير الإنسان" في حقيقته الكبيرة .. وهذا -من ثم- هو "ميلاد الإنسان" .. فقبل ذلك لا يكون للإنسان وجوده "الإنساني" الكامل، بمعناه الكبير، الوحيد ..

.. وهذه هي الهدية الربانية التي يهديها للناس في الأرض بعقيدة التوحيد ... وهذه هي النعمة الإلهية التي يمن الله بها على عباده وهو يقول لهم:"اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام ديناً" ..

وهذه هي الهدية التي يملك أصحاب عقيدة التوحيد أنه يهدوها -بدورهم- للبشرية كلها. وهذه هي النعمة التي يملكون أن يفيضوا منها على الناس، بعد أن يفيضوها على أنفسهم، ويرضوا منها ما رضيه الله لهم.

وهذا هو الجديد الذي يملك أصحاب عقيدة التوحيد أن يتقدموا به للبشرية اليوم، كما تقدم به أسلافهم بالأمس فتلقته البشرية يومها كما تتلقى الجديد. ولم تستطع أن تقاوم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015