وإن هذا التصور لينشئ في القلب والعقل "الاستقامة" ... فالإنسان الذي يدرك من حقيقة ربه ومن صفاته ومن علاقته به ذلك القدر "المضبوط" لا شك يستقيم في التعامل معه بقلبه وعقلهن ولا يضطرب ولا يطيش!

والمسلم يعرف من تصوره لربه، وعلاقته به، ما يحب ربه وما يكره منه، ويستيقنه أن لا سبيل له إلى رضاه إلا الإيمان به، ومعرفته بصفاته، والاستقامة على منهجه وطريقه. فهو لا يمت إليه -سبحانه- ببنوة ولا قرابة، ولا يتقرب إليه بتعويذة ولا شفاعة، ولا يعبده إلا بامتثال أمره ونهيه. واتباع شرعه وحكمه.

ومن شأن هذه المعرفة أن تنشئ الاستقامة في قلبه وعقله. الاستقامة باستقامة التصور. والاستقامة باستقامة السلوك.

ذلك إلى الوضوح والبساطة واليسر في التصور في السلوك .. يدرك هذا كله من يوازن بين التصور الإسلامي القائم على التوحيد -بمعناه هذا ومجاله- وبين التصور الكنسي للأقانيم الثلاثة للإله الواحد. والبنوة التي لا سبيل للنجاة إلا بالاتحاد بها. والخطيئة الموروثة التي لا يغفرها إلا الاتحاد بالابن الذي هو المسيح عليه السلام! ... إلى آخر هذه المعميات في هذه الدروب!

مثل هذا يقال عمن يتعامل مع "الطبيعة! " التي لا تسمع ولا تبصر، ولا تنهى ولا تأمرن ولا تطالب عبادها بفضيلة ولا عمل ولا تنهاهم عن رذيلة ولا خلق! فأنى يستقيم هؤلاء العباد على منهج أو طريق؟ وأنى يستقيم لهم عقل أو قلب، وهم لا يعلمون من حقيقة إلههم ذاك شيئاً مستقيناً على الإطلاق، وهم كل يوم على موعد لكشف شيء عنه جديد، ولمعرفة صفة أو طبع لم يكونوا يعرفونه. ولا يعرفونه إلا بالمصادفة أو بالتجريب!

وعلى هذا النحو نستطيع أن نمضي في استعراض الحال مع سائر التصورات التي سبق لنا عرضها في فصل، "تيه وركام" في أول هذا البحث، وفي الفصول المتفرقة بعد ذلك. وكلها لا يمكن أن توحي لأصحابها بضبط ولا استقامة في تصور أو في سلوك. كما أنها جميعاً تتسم بالغموض والتعقيد والتخليط.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015