والقرآن الكريم يربط بين عقيدة التوحيد وبين مقتضياتها في الضمير وفي الحياة ربطاً وثيقاً، ويرتب على وحدانية الألوهية والربوبية ووحدانية الفاعلية والسلطان في هذا الوجود، كل ما يكلفه المسلم، سواء ما يكلفه من شعور في الضمير، أو ما يكلفه من شعائر في العبادة، أو ما يكلفه من التزام في الشريعة .. وفي السياق الواحد يرد ذكر التوحيد، وآثار الفاعلية والسلطان، في الكون وفي الحياة الدنيا والآخرة، ويكرر معها الأمر باتباع شريعة الله، باعتباره مقتضى توحيد الألوهية والسلطان:
إن هذا التصور ينشئ في العقل والقلب آثاراً متفردة، لا ينشئها تصور آخر، كما أنه ينشئ في الحياة الإنسانية مثل هذه الآثار كذلك.
إنه ينشئ في القلب والعقل حالة من "الانضباط" لا تتأرجح معها الصور، ولا تهتز معها القيم، ولا يتميع فيها التصور ولا السلوك.
فالذي يتصور الألوهية على هذا النحو، ويدرك حدود العبودية كذلك، يتحدد اتجاهه، كما يتحدد سلوكه، ويعرف على وجه الضبط والدقة: من هو؟ وما غاية وجوده؟ وما حدود سلطاته؟ كما يدرك حقيقة كل شيء في هذا الكون، وحقيقة القوة الفاعلة فيه. ومن ثم يتصور الأشياء ويتعامل معها في حدود مضبوطة، لا تميع فيها ولا تأرجح. وانضباط التصور ينشئ انضباطاً في طبيعة العقل وموازينه، وانضباطاً في طبيعة القلب وقيمه. والتعامل مع سنن الله بعد ذلك والتلقي عنها يزيد هذا الانضباط ويحكمه ويقويه.
ندرك هذا حين نوازن بين المسلم الذي يتعامل مع ربه الواحد الخالق الرازق القادر القاهر المدبر المتصرف، وبين غيره من أصحاب التصورات التي أشرنا إليها. سواء من يتعامل مع إلهين متضادين: إله للخير وإله للشر! ومن يتعامل مع إله موجود ولكنه حالٌّ في العدم! ومن يتعامل مع إله لا يعنيه من أمره ولا من أمر هذا الكون شيء! ومن يتعامل مع إله (المادة) الذي لا يسمع ولا يبصر ولا يثبت على حال! إلى آخر الركام الذي لا يستقر العقل أو القلب منه على قرار.