وركب الخزاعيون من مكة بجراحاتهم، واثار الحرب بينهم، حتى وردوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد مع اصحابه فقال:
يا رب اني ناشد محمدا ... حلف ابينا وابيه الا تلدا
انا ولدناك وكنت ولدا ... ثمت اسلمنا فلم نخلع يدا
فانصروا رسول الله نصرا ابدا ... وادعوا عباد الله يأتوا مددا
فيهم نبي الله قد تجردا ... ابيض من البدر يسمو مصعدا
قرم القروم من قروم اصمد ... برا رحيما ذا عفاف مرشدا
ان سيم خسفا وجهه تزيدا ... في فيلق كالبحر يرمي مزبدا
ان قريشا اخلفوك موعدا ... ونقضوا مثاقك المؤكدا
وزعموا ان لست تدعى محمدا ... وهم اذل وأقل عددا
هم قتلونا بالصعيد هجدا ... نتلو القرآن ركعا وسجدا
فانصر هداك الله نصرا ابدا ... نصرا عزيزا دائما سرمدا
فلما فرغ عمرو بن سالم من شعره، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نضرب يا عمرو بن سالم. ثم قصو االقصة، وكيف هاجت الحرب بينهم وبين قريش وبني كنانة، وارتفعت سحابة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى فتح مكة، وسار بالمهاجرين والانصصار. وكتب لخزاعة بهجرتها فاستقبلته خزاعة ولم يتخلف منهم احدا في حمل السلاح.
قال ابو عمرو، وبلغنا ان الرسول صلى الله عيه وسلم، قسم خزاعة قسمين، فقال ليتخلف نصفكم في بلادكم، فاني اخاف على حرمكم، وكونوا وراءنا حتى نأمن قبلكم، وسار ينصف المقاتلة من خزاعة، فقال النصيب وهو اسد بن وهب بن احدم بن عبد الله بن قصير الخزاعي:
ونحن الالى شدت عزالا خيولنا ... وثقبا سددناه وفتح طلاح
بملمولة شهباء تخطر بالقنا ... تمرندسه فيها الكماة رداح
اقمنا وراء المسلمين بجحفل ... ذوي عضد من خيلنا ورماح
على كل ورهاء العناء طمرة ... إذا كان يوم ذولقا وشباح
تمر بذي الدرع العريض كانما ... تمر به فتحا ذات جناح
إذا ما رايت الناس قد سبقوا لنا ... وحلت سرايانا جنوب محاح
وذات حليل طلقتها رماحنا ... يطيف بها الخطاب بعد نكاح
ولما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة قدم خزاعة. وقال: كونوا اول من يدخل مكة وقاتلوا من قاتلكم، واعلموا اني أمنت من اغلق عليه ومن جلس في المسجد الحرام، ومن دخل دار أبي سفيان.
وسار في المهاجرين والانصار وسائر قبائل العرب حتى نزل بمر الظهران، وقريش توكف الاخبار ولم يأتها خبر أبي سفيان، حتى دخل مكة في عشرة آلاف وكانت رايته صلى الله عليه وسلم يومئذ بين سعد بن عبادة الخزرجي، وهو كتيبة الانصار من الاوس والخزرج، وهم مقنعون بالحديد لا تبصر منهم الا الحدق، فسار حتى انصب على مكة، من جانب كدا، وتقدمت خزاعة فدخلت، فدخلت مكة اول الناس. فقتلت خزاعة رجلا منهم مقيس بن صبابة، وابن خطل، قتله ابو برزة الاسلمي. ثم نادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة: كل يرفع السيف الا خزاعة عن كنانة ثلاثة ايام ليدركوا ثأرهم.
وقال صلى الله عليه وسلم: " ضعوا السلاح الا خزاعة، يطوفون به ثلاثة ايام ليذلوا عدوهم ". فكان الخزاعي يلفى بالكناني متعلقا بأستار الكعبة فيقتله وانزل الله - تبارك وتعالى -:) قاتلوهم يعذبهم الله بايديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم (يعني خزاعة.
فأحلت لخزاعة حرمة مكة، ولم تحل لاحد قبلهم، ولا بعدهم، ونصرهم الله بالسحاب. فقال عمران بن نجيد الخزاعي في ذلك.
الا يا لقومي للدموع السواكب ... وللذكر يعدو من حبيب محائب
وللزمن الماضي الذي فات عصره ... بايام اذات الصبا والعجائب
وللقلب يرجو ان يعاود عيشه ... باسماء كانت في العصور الذواهب
فلا يبعدن ايام صدق مضت لنا ... بفاتحة للحاء ذات التناسب