وأما حارثة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء، فهو خزاعة، واليه اجماع قبائل خزاعة كلها، وهو أبوهم، واشتقاق خزاعة من قولهم: خزع القوم عن القوم إذا انقطعوا عنهم وفارقوهم. قال أبو بكربن دريد: ذلك انهم انخزعوا عن جماعة الأزد أيام سيل العرم، لما أن صاروا إلى الحجاز، فارتفعوا بالحجاز، فصار قوم إلى عمان وآخرون إلى الشام. وقال غيره: انما سمي حارثة خزاعة لأنه لما مرّ مع قومه واخوته بعد خروجهم من جنتي مأرب، وتفرقهم في البلاد، قامت الأزد بمكة، ما قامت، حتى جاءهم روادهم من الأماكن، فافترقوا من مكة فرقا: فرقة توجهت إلى عمان، وفرقة توجهت إلى الشام، وفرقة نحو العراق، وفرقة نزلت يثرب، وهم الأوس والخزرج ابنا حارثة بن عمرو بن عامر، وهم رهط من الأنصار، وانخزع عنهم حارثة بن عمرو بن عامر في ولده، وأقام بمكة إلى بطن فسمي خزاعة، وولي أمر مكة، وحجابة الكعبة.
وانما كان افتراق خزاعة عن قومه فيما حكى أولو العلم بأخبارهم من بطن مرو؛ يدل ذلك، حسان بن ثابت الأنصاري:
فلما هبطنا بطن مرو تخزعت ... خزاعة عنا في حلول الدار
وسوف نورد أخبار خزاعة، وقصة ولده بعد هذا مختلطة بأخبارهم.
فولد الحارثة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء، ثلاثة نفر: عدي بن حارثة، وربيعة لحي بن حارثة، وأقصى بن حارثة.
1 - ربيعة لحيّ
فأما ربيعة لحي بن حارثة، وهو خزاعة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء. فولد رجلا، وهو عمرو بن ربيعة لحي. فمن عمرو بن لحي تفرقت قبائل خزاعة.
فولد عمرو، أربعة نفر، وهم: كعب، وعوف، ومليح، وسعد. وعمرو بن ربيعة لحي، هذا أول من عبد الأصنام من العرب بمكة، وكان سبب ذلك أن جرهما لما كثر بغيهم في الحرم، دخل رجل منهم يقال له أساف بن سهيل ونائلة بنت عمرو ففجروا في البيت فمسخهما الله حجرين، فأخرجتهما جرهم، ونصبتهما على الصفا والمروة، ليعتبر بهما من رآهما، ويزدجر الناس أن يفعلوا مثل فعل هذا، ولم يزالا وهما يندرس ويقدم، إلى أن قدمت الأزد مكة، وأجلت عنها جرهما، وولي حارثة بن عمرو بن عامر مكة، وولده من بعد ذلك، ولم يزالوا على ذلك حتى ولي أمر مكة من ولد عمرو بن ربيعة لحي، وكان اليه أمر مكة وسدانة البيت.
وكان عمرو شريفا في قومه، مطاعا فيما قال لهم، وهو المتبع، وكانت أمه فهيرة بنت عامر بن عمرو بن الحارث بن مضاض بن عمرو الجرهمي. فبلغ عمرو بن ربيعة بن لحي في العرب من الشرف ما لم يبلغه عربي من قبله. وهو أول من أطعم الحجاج بمكة سدايف الابل ولحمها على الثريد، وحمى الحامية، وسيب السائبة، وبحر البحيرة، ووصل الوصيلة، وبدل الخيفية، وغير دين إسماعيل. وأما البحيرة: فإنه كانت إذا نتجت خمسة أبطن عمدوا إلى الخامس، ما لم يكن ذكرا فشقوا أذنها وخلوها، ولا يجز لها وبر، ولا يذكراسم الله عليها، ان ذكيت، ولا أن يحمل عليها شيء، وكانت ألبانها للرجال دون النساء. وأما الوصيلة: فكانت الشاة إذا وضعت سبعة أبطن عمدوا إلى السابع فإن كان ذكرا ذبح، وان كانت أنثى تركت في الشاة، وان كان ذكرا وأنثى قيل وصلت أخاها، فحرّما جميعا، ولبن الأنثى للرجال دون النساء. وأما السائبة: فإن الرجل كان يسيب لآلهته من ماله الشيء إما نذرا، وإما تطوعا، إما بهيمة وإما انسانا، فيكون حراما أبدا نفعهما للرجال دون النساء. وأما الحام: فالفحل إذا أدركت أولاده فصار ولده جدا، قال حمى ظهره اتركوه، فلا يحمل عليه، ولا يركب، ولا يمنع ماء ولا مرعى، فإذا ماتت هذه التي جعلوها لآلهتهم اشترك في أكلها الرجال والنساء. وهو الذي قال الله - عز وجل -:) وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا (، وقال الله - عز وجل -:) وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء (. فكان عمرو بن ربيعة بن لحي هذا أول من أحدث هذه الأشياء واستنها في العرب.