أفرح أَرْزَاً الكرام وأن ... أورَثَ ذوداً شَصَايصاً نَبَلا
فمن نابل زيد الخيل بن مهلهل الطائي، وصاحب غاراتها، وهو فارس العرب كافة، وكان يكنى أبا مِكْنَف. وأدرك الإسلام، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد طيء وأسلم على يديه، وهو أحد من أكرمه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وبسط له رِداءه، وسماه زيد الخير، وعلّمه ودَعَا له، ومات في رجوعه. وكان النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما ذكر لي أحد فرأيته إلا كان دوُنَ ما وصُفَ لي إلا زيد. وكان عرفه بالإجابة حين دعا به، وهو زيد الخيل بن مُهِلهِل بن زيد بن منهب بن عبد رُضي ابن المختلس بن ثوب بن كنانة بن مالك بن نابل بن نَبْهان بن عمرو بن الغوث بن طيء. ونحن نذكر من مقاماته ووقائعه لمعاً يستدل بها ويستكفي بشاهر أخبارة ووقائعه ومقاما عن الإطالة. قال أبو بكر محمد بن الحسن القسملي، عمن حدثه قال: غار زيد الخيل ابن مُهلهل الطائي على بني فزارة، وعندهم يومئذ زُهير بن أبي سُلمى المُزني، والحطيئة العبسي، وقد جمع عُيينة بن حصن الفرازي سيدُ فزارة جُموع كثيرة من أحياء معد، وكان خروج زيد الخيل اليهم، فاستعد وتأهب لقتالهوجموعه، فأوقع بهم زيد الخيل في عدد يسير من فرسانه، فهزم بني فزارة، وفض جموعهم، واستباحهم، وولى قتال ذلك اليوم هو نفسه، فأسر عُيينة بن حِصن الفرازي سيد قيس وفارسها، فقال له: يا أبا مكنف، خل سبيلي أثبك على ذلك فجزّ ناصيته وأطلقه. وأما زُهير جز ناصيته وأطلقه، فدفع إليه زُهير فرسه الكميت المشهور بالسبق، فقبله زيدُ الخيل. وأما الحطيئة فأنشأ يقول:
ظفرت بقيس ثم أنعمت فيهم ... ومن آل بدر قد أسرت الأكبر
جرزت النواصي منهمُ إذ ملكتهم ... وأطلقتهم إذ كنت يا زيد قادر
وحىّ سليم قد تركت شريدهم ... فلولا وقد كانوا حلولا كراكر
ومُرَّة أمرت الشراب عليهم ... جهارا وقد أخزيت بالمس عامر
نبلت ولم يدرك لقيس نبيلها ... وسقت السبايا واستقدت الأبار
فإن يشكرو فالشكر حق عليهمُ ... وإن يكفروا لا ألف يا زيد كافر
فأجابه زيد الخيل وهو يقول:
أقول لعبدي جرول ملكته ... أثبني ولا يغررك أنك شاعر
أنا الفارس الحامى حقيقة مذحج ... لها المكرمات واللُّها والأكابر
وقومي رءوس الناس والرأس قائد ... إذا الحرب شبتها الرجال المساعر
فلست إذا ما الموت رنّق ظله ... وأنزع حوضاه ورنق ناظر
توافقني أخشى الحروب محاذرا ... يباعدني عنها من القبّ ضامر
ولكنني أغشى يصعدني الوغى ... مجاهرة إن الكريم مجاهر
أروى سناني من دماءٍ غزيرة ... على أهلها إذ ليس ترعى الأناضر
فلما صار زيد الخيل إلى بني فزارة يطلب نعمته عندهم أغار عامر بن الطفيل العامري على بني فزارة، فاستاق إبلاً، وأصاب امرأة منهم. فقال عُيينة بن حصن لزيد الخيل: يا أبا مكنف. أجعلها نعمة في إثر نعمة. قال: وما ذلك؟ قال: أغار عامر بن الطفيل عدوانا فاستاق إبلا وأصاب امرأة من نسائنا. فركب زيد الخيل حتى أتى عامرا. فلما رآه عامر أنكر ما رأى من هيئته، فوقف عامر وقال له: من أنت؟ قال: وما سؤالك وخلّ عما معك. قال: لا والله حتى أنظر من أنت. قال: أنا من بني فزارة. قال: لا والله ما أنت من الفلج أفواها - في كلام كثير - قال: فأنا زيد الخيل، خلّ ما معك. قال: لا والله، مالي إلى ذلك من سبيل. فحمل علية زيد الخيل فحمله فصرعه إلى الأرض، فاستسلم عامر، وأقبل به زيد، الخيل إلى الحي حتى ردَّ على بني فزارة هذه الفَزَاريّة، ورد ما استاق عامرٌ من إبلهم، ثم إنه بعد ذلك جَزّ ناصية عامر، ومنّ عليه بنفسه، وأطلقه بلا فداء. وقال في ذلك زيدُ الخيل:
إنا لنُكثر في زيدٍ وقائعنا ... وفي تميم وهذا الحي من أسد
وعامر بن طُفيل قد نحوت له ... صدر القناة بماضي الحدِّ مضطرد
لمّا تَيِقَّن أن الورد مٌدركه ... وصارما وربيط الجأش كالأسد