الديري فِي ربيع الأول سنة ثَمَان وَسبعين فَدخل القَاضِي جمال الدّين الى الْقُدس وَهُوَ متوعك فَأَقَامَ اربعة عشر يَوْمًا وَتُوفِّي - كَمَا تقدم فِي تَرْجَمته - واعيد القَاضِي خير الدّين الى وَظِيفَة الْقَضَاء فِي شهر جمادي الأولى وَوصل اليه التوقيع الشريف والبس خلعة السُّلْطَان فِي محراب الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَمَشى النَّاس فِي خدمته الى منزله بِبَاب الْحَدِيد وَذَلِكَ فِي أَوَائِل جمادي الْآخِرَة وَاسْتمرّ نَحْو تِسْعَة أشهر ثمَّ عزل بقاضي الْقُضَاة شمس الدّين أخي القَاضِي جمال الدّين وَوصل المرسوم بذلك فِي سلخ صفر سنة تسع وَسبعين وَثَمَانمِائَة فتنزه عَن الْقَضَاء وَلم يتَكَلَّم فِيهِ بعد ذَلِك وَانْقطع فِي منزله لِلْعِبَادَةِ والاشتغال بِالْعلمِ وَقِرَاءَة الْقُرْآن والْحَدِيث وانتهت اليه رياسة مَذْهَب ابي حنيفَة بالقدس وتصدر للافتاء والتدريس وَحج الى بَيت الله الْحَرَام وَعظم أمره عِنْد النَّاس وَصَارَ لَهُ الهيبة وَالْوَقار ودرس بالمعظمية نِيَابَة وَنسخ بِخَطِّهِ الْكثير من الْمَصَاحِف الشَّرِيفَة وَالْبُخَارِيّ وَكتب الحَدِيث وَالْفِقْه وغري ذَلِك وَكَانَ فِي سرعَة الْكِتَابَة والملازمة لَهَا من الْعَجَائِب وَعمل طَريقَة فِي الْمُصحف الشريف لم يسْبق اليها فِي مُقَابلَة الأحرف وَهِي أَنه إِذْ كَانَ أول حرف من أول سطر من الصَّحِيفَة الْفَا يكون أول حرف من أول السطر الْأَخير مِنْهَا كَذَلِك وَأول السطر الثَّانِي مثلا واوا فَيكون الَّذِي يُقَابله قبل السطر الْأَخير كَذَلِك وهلم جرا واحرف الْمُقَابلَة كتبهَا بالأحمر وَيكون أول الصفحة أول الْآيَة وَآخر الصفحة آخر الْآيَة وكل جُزْء فِي كراس كَامِل فَيكون الْمُصحف ثَلَاثِينَ كراسا لَا يزِيد وَلَا ينقص وَهَذِه الطَّرِيقَة من الْعَجَائِب وَفِي الْحَقِيقَة هِيَ طَريقَة فِي غَايَة الْمَشَقَّة وَقد سهلها الله لَهُ فعملها فِي اسرع وَقت وَهُوَ تيسير من قبل الله تعال وَقد اشْتهر هَذَا الْمُصحف بِهَذِهِ الطَّرِيقَة بِخَطِّهِ فِي غَالب المملكة حَتَّى وصل الى الْحجاز وَالْعراق وَالروم وَله ربعَة شريفة بِالْحرم الشريف النَّبَوِيّ على ساكنه افضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَكَانَ خيرا متواضعا حسن اللَّفْظ والشكل منور الشيبة وَعِنْده تودد