الثَّمَانمِائَة اعتصب اهل الْخَيْر وجمعوا مَالا وبنوها وأوقفوا عَلَيْهَا وَأما مَدِينَة الْقُدس الشريف فِي عصرنا فَهِيَ مَدِينَة عَظِيمَة محكمَة الْبناء بَين جبال وأودية وَبَعض بِنَاء الْمَدِينَة مُرْتَفع على علو وَبَعضه منخفض فِي وَاد وغالب الابنية الَّتِي فِي الْأَمَاكِن الْعَالِيَة مشرفة على مَا دونهَا من الْأَمَاكِن المنخفضة وشوارع الْمَدِينَة بَعْضهَا سهل وَبَعضهَا وعر وَفِي غَالب الْأَمَاكِن يُوجد سفله ابنية قديمَة وَقد بني فَوْقهَا بِنَاء مستجد على بِنَاء قديم وَالْبناء مشحون بِحَيْثُ لَو تفرق على حكم غَالب مدن مملكة الاسلام لَكَانَ حجم الْمَدِينَة ضعف مَا هُوَ الْآن وَهِي كَثِيرَة الْآبَار الْمعدة لخزن المَاء لِأَن ماءها يجمع من الأمطار وَأما مَا فِي الْقُدس الشريف من الْأَمَاكِن المحكمة الْبناء فَمن ذَلِك سوق القطانين المجاور لباب الْمَسْجِد من جِهَة الغرب وَهُوَ سوق فِي غَايَة الِارْتفَاع والاتقان لم يُوجد مثله فِي كثير من الْبِلَاد وايضا الْأَسْوَاق الثَّلَاثَة الْمُجَاورَة بِالْقربِ من بَاب الْمِحْرَاب الْمَعْرُوف بِبَاب الْخَلِيل وَهِي من بِنَاء الرّوم ممتدة قبْلَة بشام وَمن بَعْضهَا الى بعض منافذ فَالْأول مِنْهَا وَهُوَ الغربي سوق العطارين وقف الْملك صَلَاح الدّين رَحمَه الله تَعَالَى على مدرسته الصلاحية وَالَّذِي يَلِيهِ وَهُوَ الْأَوْسَط لبيع الخضراوات وَالَّذِي يَلِيهِ لجِهَة الشرق لبيع القماش وهما وقف على مصَالح الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف وَقد ذكر المسافرون انهم لم يرَوا مثل الْأَسْوَاق الثَّلَاثَة فِي التَّرْتِيب وَالْبناء فِي بَلْدَة من الْبلدَانِ وان ذَلِك من المحاسن الَّتِي لبيت الْمُقَدّس (وَرُوِيَ) عَن سَلامَة ابْن قَيْصر - وَكَانَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ خَلفه بِبَيْت الْمُقَدّس ييصلي بِالنَّاسِ - ان عمر رَضِي الله عَنهُ لما فتح بَيت الْمُقَدّس وقف على راس السُّوق فِي أَعْلَاهُ فَقَالَ لمن هَذَا الصَّفّ - يَعْنِي صف سوق البزازين -؟ فَقَالُوا لِلنَّصَارَى فَقَالَ لمن الصَّفّ الغربي الَّذِي فِيهِ حمام السُّوق؟ فَقَالُوا لِلنَّصَارَى فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا هَذَا لَهُم وَهَذَا لَهُم - يَعْنِي النَّصَارَى - وَهَذَا لنا مُبَاح - يَعْنِي السُّوق الْأَوْسَط الَّذِي بَين الصفين يَعْنِي السُّوق الْكَبِير الَّذِي كَانَ فِيهِ قبَّة الرصاص