استقبل يوسف بن تاشفين سنة (478هـ) الوفد الذي جاء من ملوك الطوائف، يطلبون العون والمساعدة، فتشوق إلى ما يطلبون، فإنه يريد جهاد النصارى، فانطلق معهم رحمه الله، وقد كان تحت إمرته مائة ألف في الشمال الإفريقي، وخمسمائة ألف في أفريقيا، وأخذ معه سبعة آلاف من المجاهدين، لأنه رجل محنك ولا يريد أن يترك كل هذه المساحات الكبيرة بلا حراسة ولا حماية، لا بد أن يكون هناك جيش في تونس والجزائر والمغرب وفي كل بلد من هذه البلاد الإفريقية التي فتحت، ولا يلقي بكل الطاقة هناك، فهو لا يتحرك بعشوائية، فجهز السفن وعبر مضيق جبل طارق.
وفي وسط المضيق ترتفع الأمواج ويهيج البحر وتكاد السفن أن تغرق، فيقف ذليلاً خاشعاً يدعو ربه والناس تدعو معه، فكان يقول: اللهم إن كنت تعلم في عبورنا هذا البحر خيراً لنا وللمسلمين فسهل علينا عبوره، وإن كنت تعلم غير ذلك فصعبه علينا حتى لا نعبره، وهذا من الاتصال مع رب العالمين، فتسكن الريح ويعبر الجيش، والوفود منتظرة لاستقبال الفاتحين، وأول شيء عمله عندما وصل البلد سجد لله شكراً أن مكنه من العبور والجهاد، وأن اختاره ليكون جندياً من جنوده سبحانه وتعالى؛ فيدخل يوسف بن تاشفين إلى قرطبة، وإلى إشبيلية ويستقبله الناس استقبال الفاتحين، ثم يتجه إلى مملكة قشتالة النصرانية المرعبة لكل هؤلاء الأمراء من المؤمنين الموجودين في بلاد الأندلس في ذلك الوقت، وهو في رباطة جأش عجيبة، وأهل الأندلس الذين كانوا يدفعون الجزية للنصارى لمدة (70) أو (80) سنة في ذل وهوان وخضوع للنصارى، لكنهم عندما رأوا (7000) رجل يتحركون في سبيل الله يحملون أرواحهم على أكفهم، تغيرت فيهم أشياء كثيرة جداً من رؤية القدوة؛ فخرج معهم رجال من قرطبة وإشبيلية وبطليوس، وهكذا حتى وصلوا إلى الزلاقة في شمال البلاد الإسلامية على حدود قشتالة وعددهم ثلاثون ألف رجل؛ لأنهم عندما وجدوا مجاهدين في سبيل الله تاقت نفوسهم إلى الجهاد، والناس فيهم فطرة طيبة، وإياكم أن تفقدوا الأمل من الناس فإن فطرهم طيبة، وعندما قامت الانتفاضة في فلسطين تحرك الناس، حتى الذين لا يصلون ولا يصومون تحركت عواطفهم لفلسطين.
وموقعة الزلاقة من أشهر المواقع الإسلامية في التاريخ، لم يكن يعرف بالزلاقة في ذلك الوقت، ولكن اشتهر بذلك الاسم بعد الموقعة، وسنذكر إن شاء الله لماذا سميت بالزلاقة؟