فأمَّا مصالحة من صولح من العدو على مالٍ يُؤدّونه، وإقرارهم هناك على حالِ مملكتهم ومنعتهم؛ فليس هذا من باب الجزية في شيء، وهي مهادنة، ولا تجوز إلا لضرورة كما قدَّمنا في ذلك.

والجزيةُ مشروعةٌ، مأمورٌ بقبولها، والكفُّ عنهم إذا بَذلوها على شروطها، فأمرها مختلف في الوجوب والحظر.

قال عبد الملك بن حبيب (?) : إذا نزل جيش المسلمين على حصنٍ، فحاصروه الأيام، فدعا أهله إلى المصالحة على مالٍ يدفعونه ويُرحلُ عنهم، فلا يجوز قبوله إنْ رجَا المسلمون افتتاحَه، وليمضوا على محاصرتهم، وإن يئسوا من افتتاحه، بما عسى أن يَتَسنَّ ذلك لهم، فلهم أن يقبلوا ذلك، ولهم أن يحاصروا إن كانت بهم قوة على ذلك، قال: وإنْ دَعَوْا إلى الجزية، فإن كانوا بالموضع الذي يكون عليهم فيه سلطان الإسلام، ويتولاّهم من المسلمين والٍ تتأَدَّى إليهِ جِزيتهم، ويخالطهم المسلمون، وتكون قوتهم مُنبسِطة، كما هي على المعاهدين وأهل الذمة؛ لقربهم من دار الإسلام، فلازمٌ لوالي الجيش أن يقبل ذلك منهم، وإن لم يكونوا عنده بهذه (?) الصفة، وكانوا في بُعْدٍ من دار الإسلام، وبحيث

إن شاؤوا بعد قفول الجيش عنهم مَنعوا جِزيتهم، وعادوا حرباً؛ فلا يقبل ذلك منهم، حتى ينتقلوا من دارهم تِلك إلى دار الإسلام، فإن أجابوا إلى ذلك وإلا فالسَّيْف.

قال: وهكذا سمعت مُطرِّفاً، وابنَ الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصْبَغَ يقولون.

قال عبد الملك: وهذا تفسير قول مالكٍ؛ قد قال مالك محمّلاً كل قومٍ من العدوّ دعوا إلى الجزية حين أحيط بهم، فإنهم إن كانوا بموضعٍ يقدر عليهم المسلمون إنْ نزعوا، قُبِلَ ذلك منهم، وأُقِرُّوا في بلادهم، وإن كانوا بموضعٍ إن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015