يحصل منه في الجهاد فعل الفارس، ولا الإعداد له، لاختياره الرَّجلة ببيع فرسه قَبْلُ. قال الله -تعالى-: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] ، فهذا لم يحصل منه في ذلك إعداد، ولا للعدوِّ إرهاب، فلم يكن من فوارس الجهاد.

وأما من دخل راجلاً، ثم اشترى فرساً، فقاتل عليه حتى غنموا، فهو داخلٌ تحت أمره -تعالى- بإعداد الخيل وإرهاب العدوِّ بها في الغزو، فقد حصل منه في الجهاد عمل الفارس، في الوقت الذي يحتاج إليه فيه باتفاق، فكان له سهم الفارس بالكتاب والسنة والنظر الصحيح، خلافاً لنظر أبي حنيفة.

وأما قول سحنون فيمن حضر القتال على فرسٍ يوماً ثم باعه من آخر فقاتل عليه، ثم باعه من ثالثٍ فقاتل عليه يوماً ثالثاً، فكان الفتح؛ أن سهم الفرس للبائع الأول: فغير متوجّه؛ لأن البائع الأول باعه قبل حضور القتال المسبِّب لإحراز الغنيمة، فلم يكن من فرسان الغنيمة، بخلاف من مات فرسه بعد شهود شيءٍ من مشاهد القتال؛ لأنه مجتهدٌ معدٌّ، عَمِلَ في أصحاب الخيل بحسب وسعه، ثم هو مغلوب في هلاكه، لم يكن منه نكولٌ ولا إسقاطٌ، لما تصدَّى للعمل فيه، والبائع مختارٌ راجع عن عمل الفارس قبل الإتمام، وكذلك يكون الحكم في البائع الثاني، وإنما يستحق سهم الفرس من هو مالكه، والمقاتِل عليه إلى حين إحراز الغنيمة، وهذا ظاهرٌ إن لم يكن في شيءٍ من ذلك -القتال الذي حضره بالفرس بائعه- أثرٌ يُعرفُ في تسبيب الاغتنام، مثل أن يكون ذلك القتال من نحو التَّرامي والمطاردة، ثم يتحاجزون على غير نكايةٍ تؤثر في العدو وتكسر منه، فأما إن كان لكل مشهدٍ من مشاهد تلك الأيام أثرٌ في ذلك الفتح والاغتنام يُعرف، كما لو كان يُنكى فيها العدوُّ، ويُنتهك منه شيءٌ بعد شيء، حتى حصل الاستيلاء بذلك عليه في اليوم الثالث أو بعده؛ فهذا يشبه أن يقال فيه: إن سهم الفرس يقسم بينهم ثلاثتهم؛ لأن كل واحدٍ منهم قاتل عليه بملكٍ صحيحٍ قتالاً مؤثراً في إحراز

طور بواسطة نورين ميديا © 2015