فكان يسبي بعضهم بعضاً ويؤدونه، قال: لا بأس به، يجيء به من حيث شاء، وكذلك قال إسحاق (?) .
وقال أبو حنيفة (?) : «لا خير في الصلح على أن يؤدوا ذلك من أبنائهم، ولا ينبغي للمسلمين أن يقبلوا من ذراريهم أحداً؛ لأن الصلح وقع عليهم وعلى ذراريهم» .
قال ابن حبيب: إن كان شرط أهل الحرب في عقد الصلح على الجزية أن يبيعوا في جزيتهم ما شاؤوا من أبنائهم، أو مَنْ قهروه مِنْ كبارهم: فذلك جائزٌ إذا عقده عليهم رؤساؤهم وبطارقتهم في أصل الصلح، وإن لم يكن ذلك شرطاً في أصل الصلح: لم يجز، وكان العهد لجميعهم واحداً، قال: وهكذا سمعت مُطرِّفاً وابن الماجشون يقولان، وقاله غيرهما من أصحاب مالك (?) .
فصلٌ: في المهادنة والصلح، وهل يجوز ذلك أو يمنع؟
قال الله -تعالى-: {وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال: 61] ، وقال -تعالى-: {فَلاَ تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ} [محمد: 35] .
فاختلف أهل العلم في حكم الآيتين: هل نسخت إحداهما الأخرى؟ وما الناسخ منهما والمنسوخ إن كان كذلك؟ أو: هل هما محكمتان؟ وعلى أي وجه مع ذلك تُحملان؟ وعن هذا نشأ الخلاف في جواز المهادنة ومنعها، على ما سنذكره -إن شاء الله تعالى-.
فروي عن ابن عباس، أن آية الجنوح للسلم منسوخة بقوله -تعالى-: {فَلاَ