أنفسهم، ويردوا ما ثبت من ذلك الأمان لهم، أو يتراضوا على أن يبيع بعضهم بعضاً، أو يرهنه، كلّ ذلك وما أشبهه ممّا ينافي عقد ذلك الأمان، لا يباح ولا يعمل به فيمن رضي ذلك منهم لنفسه، أو لم يرض، إلا أن يتمالأ جميعُهم ومَلِكُهُم على
ردِّ العهد، فهذا له وجهه، وإنما وجب ذلك لعموم قوله -تعالى-: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] ، و {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ} [النحل: 91] .
ولما كان عقد المهادنة معهم على العموم في مصلحتهم، وإقرار مملكتهم وبلادهم، وانتظام حالهم، وكان أمر ذلك يختل إذا أجيب الآحاد إلى رفع ذلك فيما رضوا به لأنفسهم؛ لم يجز في حكم الوفاء أن يُنْقَضَ ذلك عليهم، ولم يكن رِضى الآحاد عاملاً في ذلك على جماعتهم.
وأما الأمان الخاص، وهو الذي يرجع الأمر فيه إلى تأمين أشخاص على أعيانهم، لا يتعلق في ذلك حقٌّ لغيرهم، ولا لبعضهم من بعض، ففي هذا النوع عن مالك وأصحابه: أن من تراضوا منهم على بيع نسائهم، وأبنائهم؛ فلا بأس به (?) ، وعلى ذلك يكون من رضي منهم أن يردَّ ما جُعِلَ له من الأمان، ويبيح نفسه للرق؛ فهو مما لا بأس به -إن شاء الله-.
وقال ابن حبيب في العِلج يكون في مَنَعةٍ، ومن أمره في فَسحة فَيُسْتَأْسَرُ: فذلك له أمان، لا يُقتل ولا يُسترق، وإذا اسْتأْسر وقَدْ رَهَقْتَهُ: فلا أمان له (?) .
قال فضلٌ في قوله: «فذلك له أمان، لا يقتل ولا يسترق» ، قال: إلا إن اشترط عليه -عندما أمِنَ- الاسترقاق، ورضي به فيسترق، قال: وهو قول سحنون (?) .
قلت: وإنما جاز ذلك في هذا النوع الخاص؛ لأن الأمان الذي اعتصم به هو بيده، فله أن يحله وينبذه، فإذا نبذ العهد، ولم يكن يتعلق به حقٌّ لغيره كما