فجعل مالك النظر في ذلك والاجتهاد بحسب ما يظهر في أمرهم وحالهم إلى الإمام، فإن ظهر له ما يدلُّ على صدقهم: قَبِلَ منهم، وردَّهم إلى مأمنهم، وكل ذلك مراعاة لما نزلوا عليه، باعتقاد الاطمئنان إلى المسلمين فيما جرت عليه عادتهم في الوفاء بمثله، وإن لم يكن من المسلمين في ذلك إلى هؤلاء قول ولا فعل، وكلُّ ذلك بيِّن، وبالله التوفيق (?) .

فصلٌ: في تقسيم عقود الأمان، والفرق في الأحكام

بين الخاص منه والعام

عقود الأمان ثلاثة:

عقد ذمة؛ وهو ما ضُربت فيه الجزية، وهذا النوع قد أفردنا له ولأحكامه وشروطه: (الباب التاسع) من هذا الكتاب، فهناك بسط القول فيه -إن شاء الله-.

والثاني: عقد مهادنة؛ وهو ما عُوهد فيه على المسالمة وترك الحرب، وعقد عقداً عاماً في جماعة بلدٍ أو إقليم أو مملكةٍ، لا يقصد آحادهم بالتعيين، بل هو كل عقد يتضمن الموادعة العامّة على البلاد، والنفوس، والأموال، وكافة الأحوال، وفي هذا النوع خلافٌ بين أهل العلم: هل يجوز مُطلقاً، أو لضرورة؟ وما الضرورة التي تجوز المهادنة معها؟ وله موضع مفردٌ نذكره -إن شاء الله- في الفصل بعد هذا. وإنما نتعرض هنا للفرق بين أحكامه، وأحكام العقد الثالث، وهو:

ما عُقد للواحد أو لعددٍ خاصٍّ على أنفسهم، إذا قدموا علينا، أو احتيج إلى نزولهم للتكلم معهم، وما أشبه ذلك، وهذا النوع الثالث هو الذي يتناوله بخاصة عُرف الأمان إذا أُطلق، وعليه بُني الباب، وفيه جميع ما تقدَّم من الأحكام.

فأمَّا المهادنة العامة، فحكمُ الأمان فيها مستمرٌ في الجميع إلى مدته المضروبة له، ولا يَتَبَعَّضُ ذلك، فيكون لمن رضي من آحاد تلك المملكة أن يُنَحّوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015