رسمناه؛ وذلك: لو أن رجلاً من المسلمين أبصر حربياً في جهةٍ ما من بلاد العدو أو غيرها، فتظاهر المسلم بإلقاء السلاح، وأقبل على جهة الحرب، مُظهراً له أنه رآه، فقصده مستسلماً أو مُسْتَنيماً إليه، ونحو هذا، فاطمأن الآخر إلى ذلك، حتى أصاب المسلمُ غرَّته، فهذا لا تجوز به الخديعة، وهو أمانٌ، ولو أنه عندما رآه فعل -أيضاً- من إظهار الاستنامة، ووضع السلاح، والإقبال إلى جهة ذلك الحربي، مِثل ما فعل في الأولى، إلا أنه فقط يُظهر أنه غافلٌ عن الحربي، ومُعرض عن رؤيته بحيث لا يستشعر الحربي أنه رآه فقصده مسالماً، لكن يوهم أنه ما شَعَرَ بمكانه، وإن فِعْلَه ذلك فِعْلُ المستريح من حالة حمل السلاح، إذا أمن في موضع، ونحو ذلك، حتى اطمأنَّ الحربي لما توهم من غفلةٍ عنه، لا لموادعة اسْتَشْعَرَ (?) منه لكان هذا جائزاً، وهو تورية ومكيدةٌ لا تتعلق بها خيانة، ولا للأمان حُرمة، والله أعلم.
فصلٌ
فإن اعترض معترضٌ على هذا الأصل بقتل كعب بن الأشرف، وظاهره جواز قتل من اطمأن إليه، بعد إظهار المسالمة والموالفة؛ كما خرَّج مسلم (?) ، عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من لكعب بن الأشرف؛ فإنه قد آذى الله ورسوله؟» . قال محمد بن مسلمة: يا رسول الله، أتحبُّ أن أقتله؟ قال: «نعم» . قال: ائذن لي فلأقُل، قال: «قُلْ» ، فأتاه، فقال له، وذكر ما بينهم، وقال: إن هذا الرجل قد أراد صدقةً، ولقد عنَّانا، فلما سمعه قال: وأيضاً والله لَتَمُلُّنَّه، قال: إنا قد اتبعناه الآن، ونكره أن ندعه حتى ننظر إلى أيِّ شيءٍ يصير أمره ... الحديث. إلى قوله: فاستمكن من رأسه، ثم قال: دونكم، قال: فقتلوه.
فلأهل العلم في ذلك أقوال؛ منها: