قالوا: ومما يدلُّ على فسادِ نظمِ القرآن ووقوعِ التخليطِ فيه كثرةُ ما فيه
من تكرارِ القصةِ بعينها مرةً بعد مرة وتكرارِ مثلها، وما هو بمعناها وتكرار
اللفظ والكلمة بعينها مراتٍ كثيرةً متتابعة، والإطالةُ بذلك، وذلك - زعموا - في وحشوٌ للكلام بما لا معنى له واستعمال له على وجهٍ قبيحٍ ضعيفٍ
مستغيث في اللغة، قالوا: وإن لم يكن الأمرُ على ما وصفناه فخبرونا ما
الفائدةُ بتكرار القصة الواحدة والقصص المتماثلة؟.
يقال لهم: ليس الأمر في ذلك على ما قدرتم، وللتكرار فوائدُ نحن
ذاكروها - إن شاء الله - فمنها أنّ الله سبحانه لما خاطب العرب بلسانها على وجهِ ما تستعملها في خطابها، وكانت تستجيزُ الإطالةَ والتكرارَ تارةً إذا ظنوا أن ذلك أبلغُ في مُرادِها وأنجع، وتقتصرُ على الاختصارِ أخرى في مواطنِ الاختصار، خاطبَهم اللهُ سبحانه على ما جرت عليه عادتُهم، والعربُ تقول: عجِّل عجِّلْ وقُم قُم، فتقول: والله لا أفعلُه، ثم والله لا أفعلُه، إذا أرادت التوكيد وحسمَ الطمعِ في فعله، وتقولُ تارة: واللهِ أفعلهُ بإسقاط لا فتختصرُ مرةً وتطولُه أخرى، ويقولُ قائلهم: آمُركَ بالوفاء وأنهاكَ عن الغدر، وآمُركَ بطاعةِ الله وأنهاكَ عن معصيته، والأمرُ بالوفاءِ نهي عن الغدر، والأمرُ بطاعةِ الله نهيٌ عن معصيته.