وكل هذا وعظ وتحذير من الله سبحانه عذابَه ونزول
نِقَمه ومذكِّرة العمل للدارِ الباقية، وقال الأسودُ بن يعفر:
جَرت الرياحُ على محل ديارِهم ... فكأنهم كانوا على ميعادِ
فأرى النعيمَ وكل ما يُلها به ... يوما يصيرُ إلى بِلىً ونفاد
وما ذكَرهُ الله تعالى أبلغُ في الموعظة وأوجزُ وأبدعُ نظماً وأجدرُ أن يلوذ
به سامعه ويعملَ لمعاده.
فأمَّا قوله تعالى: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) ... إلى قوله (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) .
(وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ) . (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) .
وكل شيء أقسمَ بذكره فإنما المرادُ به - والله أعلم - القسم بخالقه
تعالى ومقدره والنافع به والمحكم لعجيب صُنْعه وتدبيره، فحذفَ ذكرَ
الخالق لذلك اقتصاراً واختصاراً، وقد يمكنُ القسمُ بنفسِ الشيءِ العظيم
النفع به ولذلك أقسم بالتين والزيتون، لأن الانتفاع بهما وبما يعتصرُ من
زيت الزيتون كثير، وقد قيل إن التين والزيتون جبلان:
أحدُهما: الجوديّ الذي نزل عليه نوح، والآخرُ جبلُ طور سيناء، وقيل
غيرُ ذلك من المواضع الشريفة، وقيل هما مسجدُ بيت المقدس ومسجدُ مكة.
وقوله: (وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) " يعني مكة، وقد يجوزُ القسمُ بالمواضع الشريفة على وجه التعظيم، كما يجوزُ القسمُ بالله تعالى، وليسَ يُقسم بالشيء إلا على وجه التعظيم إما لكونه خالقا إلها أو لكونه رسولاً له أو لعظم الانتفاع به أو لغير ذلك مما يوجبُ تعظيمه، وإذا كان ذلك كذلك بطلَ ما قالوه وبالله التوفيق.