ويتساهَلوا في نظمِه وترتيبه على خلاف ما رتَبه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وعرضه، ولا أن تتوافى هِمَمُ الجميعِ منهم على تركِ ذلك وتسويغ خلاف ترتيب النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو تركِ الإنكارِ والتغليظ على من فعلَ ذلك وأجازه، ولو كان هذا مما قد وقع وفُصل وأنكره مُنكر، لوجبَ في مستقر العادة ظهور هذا الإنكار وشُهرته، وعَلمنا ضرورةَ لخلاف من خالف نظمَ الرسول وترتيبه وإنكار المنكرين لذلك، وفي عدم العلم بذلك وحصولِ الإجماع بخلافه دليل على سقوطِ جميعِ هذه الدعاوى وتكذبُّها وسلامةُ أبي بكر وعمرَ وعثمانَ وسائر الصحابة مما قذفوهم به وأضافوه إليهم من التبديل والتغيير والزيادة والنقصان والتقديم والتأخير وغير ذلك مما رموهم به.
ثم رجع بنا الكلامُ إلى معنى السبعة الأحرف المروية وتفسيرها ووجوبِ
إطلاق القراءة بسائرها، فنقول أولاَ: إنَّ جميع ما قدّمنا ذكره من الأخبار
المتظاهرة عن الرسول نص منه على أن القرآن منزلٌ على سبعة أحرف
وسبعةِ وجوه من القرآن كلها صواب وحلالٌ مطلق القراءة بها، فلذلك قال
جبريلُ عن اللهِ سبحانه: "بأيها قرأتُم فقد أصبتُم وأحسنتم ".
وقال الرسولُ صقى الله عليه لعمرَ وهشام وأبى وعبد الله بن مسعود وعمرو بن العاص والرجل الذي رافعه إليه: "قد أصبتُم وأحسنتم ".
ثم أخبرهم أن كل تلك القراءات منزلةٌ من عند الله تعالى، ومن جملةِ السبعة الأحرف التي راجع فيها وسألَه التخفيفَ عن أمته، وأنه استزاد الملكَ فزاده حتى بلغ سبعةَ أحرف، فوجبَ بذلك القطعُ على تصويب كل قارىء ببعض هذه السبعة الأحرف، وأنّها بأسرها من عند الله تعالى، وأن عثمانَ وأبيّا وعبدَ الله بن مسعود لم يختلفوا قط في شيءٍ من هذه الأحرف السبعة، ولا أنكر أحدٌ منهم على صاحبه القراءة ببعضها والإخبار له وإطلاق الباقي لمن قرأ به،