أبي مداومة الرسول - صلى الله عليه وسلم - على ذلك وافتتاح علي وعمر به جاز أن يظن أن ذلك كان قرآنا منزلا فيلحقه بالمصحف.
فإن قالوا على هذا الجواب: فأبي على قولكم لم يكن يعرف وزن القرآن من غيره!
قيل لهم: معاذ الله! بل كان من أعرف الناس بذلك، ولكنه ظن أن دعاء القنوت وإن قصر عن رتبة باقي السور في الجزالة والبلاغة فإنه يجوز أن يكون قرآنا، وأن يتعذر أن يؤتى بمثله، وإن كان غيره أبلغ من القرآن، كما قد قال الناس: إن من القرآن ما هو أوجز وأفصح وأبدع مما سواه عنه، وإن كان معجزا كله، قوله تعالى: (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا) ، وقوله تعالى (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) ، وقوله تعالى (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) .
فهذا أوجز وأفصح من مثل قدره من غيره ولو كان معجزا كله إذا بلغ قدر سورة أو آية في طول السورة.
وقد زعم قوم أنه لا يمتنع أن يكون دعاء القنوت كان قرآنا فنسخ أو أزيل فرض كتابته وتلاوته مع القرآن لما فيه من فصاحة النظم وجزالته ومناسبته ومقاربته لنظم القرآن، وإن كان هذا هكذا فإثبات أبي له كإثبات قوم غيره لأشياء نسخت بعد أن أنزلت، وإنما لم يجب أن يسيغ نقل دعاء القنوت ما يظهر على هذا الجواب كظور نقل غيره مما يثبت، لأجل أنه لما نسخ انصرفت الهمم والدواعي عن نقله وإحاطته إلا في موضع الدعاء به فقط، كما انصرفت هممهم عن نقل كثير مما نسخ رسمه وتلاوته، ففي هذا نظر! أعني قولهم إنه معجز، لأن نظمه مباين لنظم القرآن وغير خارج عن