لو عدَّ ذلك وبيَّنه لوجبَ علمُنا به ونقلُ الأمَّة له نقلاً ظاهراً متواتراً
كنقلِ سائرِ ما عداه من آياتِ القرآن وبيّنه، وما هذا الخبرُ عندَنا إلا بمثابةِ
روايةِ راو عن أم سلمةَ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كأنه يصلّي صلاةً سادسةً وسابعةً مفروضةً واجبةً ويعرفُ الناسُ ذلك من حالها في وجوب ردِّ هذا الخبرِ والعلم بأنه لو كان صحيحاً عن أمّ سلمةَ لوجبَ أن تنقُلَ الأمةُ تلك الصلاةَ نقلَها الخمسَ صلواتٍ وسائرَ الفروض العامة، وكذلك لو بيَّن أنّ بسم الله الرحمن الرحيم آية وعدّها كبيانِه لغيرِها لظهر واستفاض نقلُها.
ولَلَزِمَ القلوبَ العلمُ بكونها قرآناً منزَلاً، فإذا لم يكن ذلك كذلك لم يجب
تصحيحُ هذا الخبر.
على أنّها لم تُجِب بذلك عن قول الرسول، وإنما قالت: "كان رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - يعدّها آيةً فاصلة".
وذلك إن صح عنها خبر عن رأيها واعتقادِها، وليس ذلك بحجّة بخلافِ غيرها لها في ذلك.
وأما كراهةُ عبد الله بن مسعود وغيره مما قدمنا ذكرَه من قتادةَ وغيره من
التابعين لتفسيرِ القرآن وكَتْبِ آيةِ كذا وعدها كذا وكذا آية، وإنكارُ عمرَ لكتبِ التأويل والتفسيرِ مع التنزيل، مع تسويغِه وتسويغ جماعةِ الصحابة والتابعين لكتبِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فصلاً في فواتح السور، فإنّه أيضاً مما لا حجةَ فيه ولا تعلُّق، وذلك أنهم إنما أنكروا ذلك وقال بعضُهم إنه بدعة
لعلمِهم بأنّ الرسولَ لم يبين ذلك ولا أمرَ بكتابته، وأنه قد أمرَ بكتبِ بسم الله الرحمن الرحيم في فواتح السور ما نزل عليه مما أُمر بكتبه، وليس يجبُ أن
يسوّغوا كَتْبَ ما لم يَأمُر به الرسولُ لتسويغهم رسمَ ما سَن كَتْبَه، ولا يجبُ
أن يعتقدوا أيضاً أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لا يكتب في افتتاحِ السورةِ المنزَلةِ إلا قرآناً منزلاً، لجوازِ أن يُؤمَرَ بافتتاحِها في الكتابة بِما ليس بقرآنٍ