وأما قولُ ابن عباس: "كانَ المسلمونَ لا يعرفون انقضاءَ السورة
حتى تنزل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فيعلمونَ أنّ السورةَ قد انقضت " فإنه لا تعلّقَ فيه لأمرين:
أحدهما: أن قولَه حتى تنزل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إخبارٌ عن ظنّه أنّها
تنزل لاعتقاده كونَها قرآناً، وليس في اعتقاده لذلك وإخبارِه به لا عن
توقيفِ الرسول: حجةٌ.
الوجه الآخر: أنّ قولَه: (حتى تنزل) محتمل لأن يكونَ تحقيقا لنزولها.
وأنّ الرسول وقفَ على أن المَلَكَ ينزلُ بها، ويُحتمَلُ أن يكونَ أراد على أنها
كلامٌ تُفتَتَحُ به السور ويُعرَفُ بها انقضاءُ ما قبلَها، ويكون علامةً لذلك وإن
لم يكن قرآناً منزلا أمامَ السور، لأنّه قد ينزل المَلَكُ على الرسول بقرآنٍ وما
ليس بقرآن من الوحي.
وقولُهم بعدَ ذلك: "ظاهرُ قولي (يَنزلُ) يقتضي أنّها منزلة قرآنا" لا حجّةَ
فيه، لأنّه قول يحتمل، لأنّ الظاهرَ والإطلاقاتِ غيرُ مُقنعة في إثباتِ قرآنٍ
منزَل مقطوع به على الله سبحانه، فبطلَ ما قالوه.
وهذا الجوابُ عما رُوِيَ مِن قول ابن عباس: "كان جبريلُ إذا أتى النبيّ
صلى الله عليه ببسم الله الرحمن الرحيم عَلِمَ أنَّها قد خَتَمت سورة فاستقبلُ
الأخرى"، لأنها قد جعلت علامة للرسول ولغير ذلك عند التلاوة والكتابة.
وإن لم يكن من القرآن.
فأمّا ما رُوِيَ عن أم سلمة من أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يعُد بسم الله الرحمن الرحيم آيةً فاصلة فإنّه من أخبار الآحاد التي لا نعلم بثبوتها اضطرارا واستدلالا، وقد بتنّا فيما سلفَ بما يزيلُ الشكّ والرّيب أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -