قد أورد المالكي في قراءته كلاماً كثيراً في خلافة عمر وعثمان رضي الله عنهما من (ص: 50) إلى (ص: 61) ، اشتمل على تشكيكه وقدحه في خلافتهما رضي الله عنهما، ولن أشغل نفسي بتتبع ما فيه من قدح في خلافتهما رضي الله عنهما اكتفاء بما أوضحته من قدحه وتشكيكه في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، ولا شكَّ أنَّ من سهُلَ عليه القدح والنيل من خلافة أبي بكر رضي الله عنه، فإنَّ حصولَ القدح والتشكيك في خلافة عمر وعثمان رضي الله عنهما يكون سهلاً عليه من باب أولى، ولكنِّي أشير إلى شيئين:
أحدهما: قوله في خلافة عمر رضي الله عنه (ص: 50 ـ 51) : "وقبل وفاة أبي بكر الصديق كان قد أوصى بالخلافة لعمر رضي الله عنهما، فكانت هذه الوصيَّة أيضاً محلَّ اعتراض من بعض الصحابة الكبار، كعلي وطلحة وغيرهما؛ لغلظة عمر رضي الله عن الجميع، ولم يذكر لنا التاريخ شيئاً آخر غير الغلظة، لكن في ظنِّي أنَّ اعتراض من اعترض كان عنده توجس من مسألة الوصيَّة نفسها؛ إذ كيف يوصي الخليفة إلى أن يخلفه فلان دون مشورة من المسلمين!! ".
أقول: إنَّ ظنَّه الذي ذكره ـ وهو لم يُسبَق إليه ـ هو من ظنِّ السوء.
الثاني: قوله في خلافة عثمان رضي الله عنه (ص: 53 ـ 54) : "فأكثر عبد الرحمن ابن عوف استشارة الناس بعد تعادل كفَّتي علي وعثمان، وكان من حسن حظِّ عثمان وسوء حظِّ عليٍّ أنَّه كان بالمدينة يومها أمراء الأمصار وأجنادهم قدموا للحجِّ، وكان هؤلاء فيمن استشارهم عبد الرحمن بن عوف، ولا ريب أنَّ معظمَ هؤلاء يفضِّل سياسة عثمان المتسامحة على سياسة علي الصارمة، فكان أكثر الناس يومئذ على اختيار عثمان، ومع ذلك كأنَّ عبد الرحمن بن عوف أدرك هذا وخشي إن تولَّى عثمان أن يحمل بني أميَّة على رقاب الناس؛ لما يعرفه من لين عثمان وكرمه وحبِّه لقومه بني أمية، فذهب ابن عوف إلى اشتراط شرط آخر إضافة لشرط العلم بالكتاب والسنة، وهو العمل بسيرة الشيخين أبي بكر وعمر، وكأنَّ عبد الرحمن بن