وأمَّا ما زعمه من دلالة بعض الروايات على تفضيل عليٍّ رضي الله عنه على غيره فلَم يُبيِّن شيئاً من هذه الروايات، ولعلَّه يعنِي حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لعليٍّ رضي الله عنه: "أمَا ترضى أن تكون منِّي بمنزلة هارون من موسى، إلاَّ أنَّه لا نبيَّ بعدي"، وقد أشار إليه في كلامه الذي شكَّك فيه بأحقِّية أبي بكر بالخلافة، وقد مرَّ ذكرُه قريباً والجواب عنه، وهو يدلُّ على فضل عليٍّ رضي الله عنه، ولا يدلُّ على أفضليَّته على الخلفاء الثلاثة الذين قبله، رضي الله عن الجميع.
ومِمَّا تقدَّم من الأحاديث والآثار وحكايات الإجماع اتَّضح أنَّ الحقَّ هو تفضيل أبي بكر رضي الله عنه على غيره من الصحابة، ومن العجب أن يُشكِّك المالكي في أفضليَّة أبي بكر على غيره، مع أنَّ تفضيلَه على سائر الصحابة دلَّت عليه الأحاديث الصحيحة وحكاية الإجماع من عددٍ من العلماء، بل قد ثبت عن عليٍّ رضي الله عنه من رواية أربعة من التابعين أنَّ عليًّا رضي الله عنه يُفضِّلُ أبا بكر عليه، وواحد منها في صحيح البخاري، وفي بعضها تفضيله ـ أي علي ـ عمرَ عليه، بل لقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الوصيَّة الكبرى (ص: 59 ـ 60) : "وقد اتَّفق أهلُ السنَّة والجماعة على ما تواتر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنَّه قال: خير هذه الأمة بعد نبيِّها أبو بكر، ثمَّ عمر، رضي الله عنهما".
وفي ترجمة عبد الرزاق بن همام في تهذيب الكمال للمزي قال أبو الأزهر أحمد بن الأزهر النيسابوري: سمعتُ عبد الرزاق يقول: "أفضِّل الشيخين بتفضيل عليٍّ إيَّاهما على نفسه، ولو لَم يُفضِّلهما ما فضَّلتُهما، كفى بي إزراءً أن أحبَّ عليًّا ثمَّ أخالف قولَه".
وفي زوائد فضائل الصحابة (126) عن عبد الله بن أحمد: قثنا سلمة ابن شَبيب أبو عبد الرحمن النيسابوري، قال: سمعتُ عبد الرزاق يقول: "والله! ما انشرح صدري قطُّ أن أُفضِّل عليًّا على أبي بكر وعمر، ورحمة الله على أبي بكر وعمر، ورحمة الله على عثمان، ورحمة الله على عليٍّ، ومَن لَم يحبَّهم فما هو بمؤمن، وإنَّ أوثقَ أعمالِنا حبُّنا إيَّاهم أجمعين، رضي الله عنهم أجمعين، ولا جعل لأحد منهم في أعناقنا تَبِعة، وحَشَرنا في زُمْرَتهم ومعهم، آمين رب العالمين! "، وسلمة بن شبيب ثقة من رجال مسلم.