بسطه يديه وقدرته التامَّة في إعطائه مَن يشاء، وهذا الغضب الإلهي الذي انصبَّ في اليهود فصاروا أبخل مَن في العالم، انظر كيف تملأ الآية نفسك رغبة في كرم الله عزَّ وجلَّ وطمعاً فيما عنده، وما يتحلَّل فيك من الأريحية والسرور في طلب ما عند الله، إلى آخر هذه المعاني، ثم خذها مجرَّدة في كتب أهل العقيدة تجدهم يقولون: وفي إثبات اليدين قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} ، بل يبخلون في إكمال قوله تعالى: {يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} ، ألا ترى أنَّك تشعر بقشعريرة تناقض تلك المعاني التي شعرت بها وأنت تقرؤها في ضمن سياقها في القرآن الكريم؟ فكيف بك إذا رزقك الله مطالعة في القرآن الكريم فقط دون هذه الكتب؟!
وفوق هذا تأمَّل: ألا ترى أنَّ قولَ اليهود: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} لا يقصدون أنَّها مغلولة إلى عنقه، وإنَّما يقصدون البخلَ بالاتفاق؟ فهم أرادوا المجاز، وبالتالي فينبغي أن يكون الردُّ عليهم مشاكلاً لشبهتهم، فتكون اليد المغلولة واليدان اللَّتان ردَّ بهما عليهم كذلك لا حقيقة لهما.
فقوله: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} مقابل لـ {يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} ، والأول مجاز بالاتفاق، وكذلك ينبغي أن يكون الآخر مجازاً ...
وعلى هذا، فيكون {يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} مبنيًّا أو مؤكِّداً أو بدلاً لقوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} ، وعلى هذا فلا يتأتَّى وجود حقيقة اليدين، وإنَّما معنى بسط يديه أي الإنفاق والكرم، وهذا يعارض قولهم وفهمهم، ولذلك اضطروا إلى اقتطاعهم من سياقها ظلماً وعدواناً، وأسروها في كتبهم مع قريناتها ليتأتَّى لهم تكفير المسلمين!!! ...
ألا ترى فيه ما يشعر به الإنسان وهو يقرؤها في سياقها، وسوء ما يشعر به وهو يقرؤها حبيسة في أقفاصهم التي يقولون أنَّها عقيدة سلفية؟!! ".