وقوله في (ص: 247) : "وعندما أتوا إلى قوله عزَّ وجلَّ: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} ، قيل لهم: فهذه آية من آيات الصفات فأجروها على ظاهرها كما تدَّعون وكما تقتضيه أصولكم، فكاعوا وتزعزعوا عن مواقفهم، وقالوا: إنَّ {يَدَيْ} هنا بمعنى (أمام) ، وقد ورد بلغة العرب، وكذلك في قوله عزَّ وجلَّ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} ، قالوا: {يَدَيْهِ} هنا بمعنى أمام!! ".

وأجيب عن ذلك بما يلي:

1 ـ هذا الكلام من هذا النابتة كلُّه في تقرير أنَّه ليس لله يدان حقيقة، وأنَّ اليدَ المضافة إلى الله عزَّ وجلَّ مجاز عن القدرة والنعمة، وهذه طريقة المتكلِّمين المخالفة لطريقة السلف، وأهل السنَّة يُثبتون صفةَ اليدين لله كما أثبتهما لنفسه، ويُثبتون كرمَه وإحسانَه وإنفاقه كيف يشاء، وآيةُ المائدة تدلُّ على هذا وهذا، ولا تنافي بين ذلك.

2 ـ أهل السُّنَّة يستدلُّون بآية المائدة على إثبات صفة اليدين لله عزَّ وجل، وكذلك يستدلُّون بقوله تعالى في سورة ص: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ، فهم يُعوِّلون على النصوص، وإذا كان هذا الزاعم قال عن أهل السُّنَّة إنَّهم انتزعوا {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} عمَّا قبلها وما بعدها، فأيُّ شيء يُنتزَع وأيُّ شيء يُترَك في آية سورة (ص) ؟!

لا شكَّ أنَّ مَن اتَّبع النصوصَ وجمع بينها سلِم، ومَن اتَّبع هواه وفرَّق بين النصوص تخبَّط وظلم، والآيتان واضحتان جليَّتان في إثبات صفة اليدين لله، لا سيما آية (ص) ؛ فإنَّه تعالى ذكر فيها خَلْقَه لآدمَ، وذكر ما كان به الخلق، وهو اليدان، ولهذا عُدَّ ذلك من خصائص آدم، كما جاء في حديث الشفاعة أنَّ أهل الموقف يطلبون منه الشفاعة ويقولون: "يا آدم! أنتَ أبو البشر،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015