77- فصل

ومن الأدلة المذكورة في الرسالة لنا أن يقال لهم: أمر الله إبليس بالسجود لأدم وأمر الكفار بالإيمان، أكان يعلم أنه يكون1 منهم ما أمرهم به، أم كان عالماً بأنه لا يكون منهم ذلك مع إرادته لذلك منهم، فإن قالوا: كان غير عالم بأنه لا يكون منهم ذلك نسبوه إلى الجهل، وقد قال بذلك فرقة من القدرية2 وقد أكذبهم الله بقوله تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْر..} 3 الآية، وقوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} 4، وإن قالوا: بل كان عالماً بأنهم لا يفعلون ما أمروا به، قلنا لهم: فإرادته لوقوع ما يعلم أنه لا يكون تقع موقع تمني الحمقى كمن5 يقول: ليت الله يجعلني نبياً وما أشبه ذلك.

فأجاب القدري عن ذلك وقال: هذا يدل على فقد المستدل للتمييز بين الإرادة والتمني، فإن الإرادة من المعاني التي تخص بالقلوب في حق العباد، وليست من جنس الكلام، والتمني جنس من الكلام وهو قول القائل: ليت لي كذا وكذا، فكيف تكون إرادة ما لا يكون تمنياً، وعلمنا بأنه أمرهم بذلك إرادة منه لوقوع ما أمرهم به على ما مضى.

والجواب: أن يقال لهذا المخالف: هذه مغالطة لا يخفى فسادها على من له أدنى بصيرة، نحن قلنا: لو كان هذا6 لوقع موقع التمني من الحمقى والتمني مستحيل وقوعه من الله سبحانه.

وأما قول المخالف: التمني بالقول وهو قول القائل: ليت لي كذا وكذا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015